الحمد لله.
يحرم سب المسلمين أمواتا وأحيانا، سواء كانوا من آل البيت أو غيرهم؛ لما روى البخاري (6044)، ومسلم (64) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ).
وروى البخاري (1393) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا).
وقد حمله بعض الشراح على العموم إلا ما خصه الدليل، وقيد بعضهم المنع من سب الكافر بما إذا كان السب يؤذي الحي من أقاربه ونحوه.
قال الحافظ ابن حجر: "وقال ابن رشيد ما محصله : أن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة وقد يجب في بعض المواضع، وقد يكون فيه مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه، قال: ولأجل الغفلة عن هذا التفصيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر، وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على معنى السب، ولما كان المتن قد يشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده. وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة، والوجه عندي حمله على العموم إلا ما خصصه الدليل" انتهى من "فتح الباري" (3/258).
وقال الصنعاني: " ظاهره العموم للمؤمنين والكفار، وقيل : سب ميت الكفار قربة وقوله: (فإنهم قد أفضوا) وصلوا (إلى ما قدموا) من الأعمال يشعر بأنه عام لعموم العلة، قال النووي: يحرم سب الأموات بغير حق ومصلحة. يريد ويجوز للمصلحة كجرح الرواة ونحوه قال النووي إجماعًا" انتهى من "التنوير شرح الجامع الصغير" (11/ 102).
وهؤلاء: الغالب والأصل أن آباءهم مسلمون، فيحرم سبهم.
والعجب ممن يدرس العقيدة، ويتعلم دين الله، ويشغل نفسه بالسباب والشتائم، لمن ينتسب إلى العلم والدين، أو حتى لعامة الناس، كما يفعله الحمالون وسفلة الناس، وسقاطهم؟!
فما أعجب أمرك يا عبد الله !!
أفلا تعلمت حسن الخلق، خير لك من تعلم السباب والشتائم، وهل تشتم الآباء، أو تشتم الشخص وحده؟!
ثم أي مصلحة في سبهم غير تنفيس الغضب ومحاكاة الفسقة، وهذا ليس من خلق المسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فإن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد. والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب: لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم. فقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وقال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن . فلو كان خصم من يتكلم بهذا الكلام - سواء كان المتكلم به أبو الفرج أو غيره من أشهر الطوائف بالبدع كالرافضة - لكان ينبغي أن يذكر الحجة ويعدل عما لا فائدة فيه إذ كان في مقام الرد عليهم" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (4/186-187).
فاتق الله تعالى، وأمسك لسانك، واستغفر مما صدر منك، وتجنب سب الأموات بل والأحياء فليس المسلم بالسباب ولا بالطعان، والسب حيلة العاجز، وأما صاحب الحق فيهدم الباطل بالحجة، ويتخلق بخلق نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى البخاري (6046) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: (مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ)".
نسأل الله أن يرزقنا وإياك حسن الخلق، وحفظ اللسان عما لا يرضيه.
والله أعلم.