نذرت أن أصوم الاثنين والخميس دائما عندما أنجح في الامتحان، وقمت بذلك لمدة معينة، ثم انقطعت بسبب مرض فقر الدم، انقطعت مدة كبيرة حوالي 8 سنوات، والآن عدت للصوم، ولكن ليس دائما بسبب المرض، وأحيانا أسافر، أو أكون ضيفة. فهل يجوز قضاء نذري بإطعام عائلة جيراني الفقيرة المتكونة من ستة أفراد كل يوم وجبة كاملة تكفيهم لمدة يومان أو ثلاثة أيام عوضا عن إطعام عشرة مساكين، أو أعطيهم مبلغا من المال فهم بحاجة له، وقد صمت ثلاثة أيام كفارة؟
الحمد لله.
أولا:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ) رواه البخاري(6696).
وصيام الإثنين والخميس من نذر الطاعة، فوجب الوفاء به.
والصوم الواجب بالنذر يكون شبيها في أحكامه بالصوم الواجب بالشرع؛ وهو صوم رمضان.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وقد علم أن الواجب بالنذر يحتذى به حذو الواجب بالشرع" انتهى من "أعلام الموقعين" (5/142).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" والصحيح: أن حكمه – صوم النذر - حكم الواجب بأصل الشرع. وهو أحد القولين في المذهب، وهو الموافق لقاعدة المذهب.
فإن القاعدة: أن الواجب بالنذر أنه يُحذَى به حذوُ الواجب بأصل الشرع؛ فنهاية الأمر يلحق به إلحاقا" انتهى من"إرشاد أولى البصائر" (ص144).
ورمضان لا يشرع فيه الفطر إلا للمعذور، كالمريض والمسافر، وعليهما القضاء عند زوال العذر.
قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/185.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" فقال: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) معناه: ومن كان به مرض في بدنه يشقّ عليه الصيام معه، أو يؤذيه، أو كان على سفر أي في حال سفر فله أن يفطر، فإذا أفطر فعليه – أن يصوم بعد شفائه وبعد انتهاء سفره - بعدة ما أفطره في السفر – وفي المرض - من الأيام" انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/503).
وبناء على هذا؛ فإن فطرك بسبب المرض والسفر لا حرج فيه، وعليك قضاء الأيام التي لم تصمها بسبب هذين العذرين.
وأما الفطر بسبب الضيافة: فإنه لا يجوز؛ لأنه ليس بعذر، فعليك بقضاء هذه الأيام أيضا مع إخراج كفارة ككفارة اليمين.
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا النَّذْرُ يَمِينٌ، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه أحمد (28/575)، ورواه مسلم (1645) بلفظ: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ).
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" وإن قال: " لله علي صوم يوم يقدم فلان أبدا "، أو قال: " لله علي صوم يوم كل خميس أبدا ": لزمه ذلك في المستقبل...
وإن فاتته أيام كثيرة، لزمته كفّارة واحدة عن الجميع، فإذا كفّر ثم فاته شيء بعد ذلك، لزمته كفّارة ثانية. نصّ عليه أحمد" انتهى من"المغني" (13/ 648–649).
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" منذ سنوات طلبت من الله عز وجل إذا أنجبت بالسلامة وعاش الطفل أن أصوم كل يوم إثنين وخميس، ولم أصم حتى الآن إلا العام الماضي فقط، صمت لمدة شهر فقط. وسؤالي: هل علي ذنب لتأخري في الصيام؟ وهل علي القضاء للأيام والسنوات الماضية؟ وما الذي يجب علي فعله؟
فأجاب:...
فإنه يجب عليها أن تفي بالنذر، وتصوم الإثنين والخميس، وهذا لا يضر إن شاء الله؛ لأنهما يومان في الأسبوع.
وما مضى فإنها تقضيه، وتكفّر كفّارة يمين عن فوات الزمن الذي عينته، فإذا كان مضى عليها أربعون إثنين ، وأربعون خميس ، وجب أن تقضي ثمانين يوما، مع كفارة اليمين لفوات الوقت الذي عينته، ثم تستقبل أمرها فتصوم كل يوم اثنين وخميس " انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (11/ 579–581).
ثانيا:
وكفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وقد سبق بيانها بالتفصيل في جواب السؤال: (45676).
ثالثا:
ولا بد في كفارة اليمين من إطعام عشرة مساكين (فالعدد مقصود)، فأطعم جيرانك الستة، ثم انظر أربعة مساكين آخرين، تكمل بهم العشرة.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" المكفر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم، أولا يجدهم، فإن وجدهم، لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين... وبهذا قال الشافعي، وأبو ثور لقول الله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ).
ومن أطعم واحدا، فما أطعم عشرة، فما امتثل الأمر، فلا يجزئه، ولأن الله تعالى جعل كفارته إطعام عشرة مساكين، فإذا لم يطعم عشرة فما أتى بالكفارة ..." انتهى من "المغني" (13/513).
رابعا :
وأما صيامك ثلاثةَ أيام بنية الكفارة، فلا يجزئ مع قدرتك على الإطعام، فيكون هذا الصيام نافلة، وعليك بالإطعام كما مرّ، وقد سبق بيان هذه المسألة في جواب السؤال رقم: (178167).
والله أعلم.