هل الصلاة منفردا خلف الصف أو يسار الإمام تفوت فضيلة الجماعة؟

22-04-2023

السؤال 390567

ذكر في كتب الشافعية: لَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ كَرِهْتُ ذَلِكَ، كُلُّ مَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَة، يعني عند المتاخرين كل عمل يخالف السنة مكروه يفوت فضيلة الجماعة، يَمْنَعُ فَضْلَهَا، إني أرى هذا القول تضييق لرحمة الله، لو افتو بعدم حصول فضيلة سنة الوقوف عن يمين أو خلف فقط لكان مقبولا. السؤال: هل هناك رد أو نص في كتب المتأخرين من جميع المذاهب على بطلان قول أصحاب الشافعية: "مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَة"؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

اختلف الفقهاء في حكم صلاة المأموم عن يسار الإمام مع خلو يمينه، فذهب الحنابلة إلى عدم صحة صلاته، وذهب الجمهور إلى الصحة مع فوات السنة.

قال ابن قدامة رحمه الله : " وأما إذا وقف عن يسار الإمام، فإن كان عن يمين الإمام أحد، صحت صلاته؛ لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود، فلما فرغوا قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، رواه أبو داود، ولأن وسط الصف موقف للإمام في حق النساء والعراة.

وإن لم يكن عن يمينه أحد، فصلاة من وقف عن يساره فاسدة، سواء كان واحدا أو جماعة.

وأكثر أهل العلم يرون للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام، وأنه إن وقف عن يساره، خالف السنة...

وقال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: إن وقف عن يسار الإمام صحت صلاته؛ لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أداره عن يمينه، ولم تبطل تحريمته، ولو لم يكن موقفا، لاستأنف التحريمة، كأَمام الإمام [يعني: كما تبطل بوقوفه قدام الإمام]. ولأنه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر، فكان موقفا وإن لم يكن آخر، كاليمين. ولأنه أحد جانبي الإمام، فأشبه اليمين.

ولنا: أن ابن عباس، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فجئت، فقمت فوقفت عن يساره، فأخذ بذؤابتي، فأدارني عن يمينه، متفق عليه.

وروى جابر، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجئت، فوقفت عن يساره، فأدارني عن يمينه. رواه أبو داود.

وقولهم: إنه لم يأمره بابتداء التحريمة. قلنا: لأن ما فعله قبل الركوع لا يؤثر، فإن الإمام يُحرم قبل المأمومين، ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم، وكذلك المأمومون يحرم أحدهم قبل الباقين فلا يضر، ولا يلزم من العفو عن ذلك، العفو عن ركعة كاملة.

وقولهم: إنه موقف إذا كان عن يمين الإمام آخر. قلنا: كونه موقفا في صورةٍ، لا يلزم منه كونه موقفا في أخرى، كما خلف الصف، فإنه موقف لاثنين، ولا يكون موقفا لواحد، فإن منعوا هذا أثبتناه بالنص" انتهى من "المغني" (2/156).

والراجح في مسألة الوقوف عن يسار الإمام مذهب الجمهور، وهو صحة الصلاة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأكثرُ أهلِ العِلْمِ يقولون بصحَّةِ الصَّلاةِ عن يسار الإِمامِ، مع خُلُوِّ يمينِهِ، وأنَّ كون المأمومِ الواحدِ عن يمين الإِمامِ إنَّما هو على سبيلِ الأفضليَّةِ، لا على سبيلِ الوجوبِ. واختار هذا القولَ شيخُنا عبدُ الرَّحمن بن سَعدي رحمه الله.

ودفعوا الاستدلالَ بحديثِ ابنِ عبَّاس: بأنَّ هذا فِعْلٌ مجرَّدٌ، والفِعلُ المجرَّدُ لا يدلُّ على الوجوبِ.

هذه قاعدةٌ أصوليَّةٌ؛ أنَّ فِعْلَ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم المُجرَّدَ لا يدلُّ على الوجوبِ، لأنَّه لو كان للوجوبِ لقالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ لا تَعُدْ لمثلِ هذا. كما قال ذلك لأبي بَكْرة حين رَكَعَ قبل أنْ يدخلَ في الصَّفِّ.

 وهذا القولُ قولٌ جيدٌ جداً، وهو أرجحُ مِن القولِ ببطلانِ صلاتِه عن يسارِه مع خلوِّ يمينِه؛ لأنَّ القولَ بتأثيم الإِنسانِ أو ببطلانِ صلاتِهِ بدون دليلٍ تطمئنُّ إليه النَّفْسُ فيه نَظَرٌ، فإنَّ إبطالَ العبادةِ بدون نَصٍّ كتصحيحها بدون نَصٍّ" انتهى من "الشرح الممتع" (4/267).

وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم:(182252). 

ثانيا:

اختلف الفقهاء في صلاة المنفرد خلف الصف، فذهب إلى الحنابلة إلى بطلان صلاته إن صلى ركعة منفردا، وذهب الجمهور إلى الصحة.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/155): " قال: (ومن صلى خلف الصف وحده، أو قام بجنب الإمام عن يساره، أعاد الصلاة).

وجملته أن من صلى وحده ركعة كاملة، لم تصح صلاته. وهذا قول النخعي، والحكم، والحسن بن صالح، وإسحاق، وابن المنذر.

وأجازه الحسن، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي؛ لأن أبا بكرة ركع دون الصف، فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، ولأنه موقف للمرأة فكان موقفا للرجل، كما لو كان مع جماعة.

ولنا: ما روى وابصة بن معبد، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد، رواه أبو داود، وغيره.

وقال أحمد: حديث وابصة حسن.

وقال ابن المنذر: ثبَّت الحديثَ أحمد وإسحاق.

وفي لفظ: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى وراء الصفوف وحده، قال: يعيد، رواه تمام في الفوائد.

وعن علي بن شيبان، أنه صلى بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف، فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استقبل صلاتك، ولا صلاة لفرد خلف الصف، رواه الأثرم.

وقال: قلت لأبي عبد الله: حديث ملازم بن عمرو - يعني هذا الحديث في هذا أيضا - حسن؟ قال: نعم.

ولأنه خالف الموقف، فلم تصح صلاته، كما لو وقف أمام الإمام.

فأما حديث أبي بكرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاه فقال: " لا تعد "، والنهي يقتضي الفساد، وعَذره فيما فعله لجهله بتحريمه، وللجهل تأثير في العفو، ولا يلزم من كونه موقفا للمرأة كونه موقفا للرجل، بدليل اختلافهما في كراهية الوقوف واستحبابه" انتهى.

 وكره الشافعية وقوفه عن يسار الإمام، كما كرهوا صلاته منفردا خلف الصف، ورتبوا على ذلك فوات فضيلة الجماعة.

قال في "مغني المحتاج" (1/493): " (ويكره وقوف المأموم فردا) عند اتحاد الجنس.

أما إذا اختلف، كامرأة ولا نساء، أو خنثى ولا خناثى: فلا كراهة، بل يُندب كما علم مما مر.

والأصل في ذلك: ما رواه البخاري عن أبي بكرة أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك له صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصا ولا تعد.

ويؤخذ من ذلك عدم لزوم الإعادة.

وما رواه الترمذي وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة: حملوه على الندب ، جمعا بين الدليلين . على أن الشافعي ضعفه، وكان يقول في القديم: لو ثبت قلت به.

وفي رواية أبي داود بسند البخاري: فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، ولم يأمره بالإعادة؛ مع أنه أتى ببعض الصلاة منفردا خلف الصف.

قال الشارح: ويؤخذ من الكراهة فوات فضيلة الجماعة، على قياس ما سيأتي في المقارنة" انتهى.

وفي "حاشية البجيرمي على المنهج" (1/319): " فلو قام عن يساره أو خلفه أو ساواه، أو زاد في التأخر عليها: فاتته فضيلة الجماعة" انتهى.

وصرح الحنفية والمالكية بالكراهة في المسألتين، ولم يذكروا فوات فضيلة الجماعة.

وينظر: "تبيين الحقائق" (1/136)، "الفواكه الدواني" (1/211).

 والراجح في مسألة الصلاة خلف الصف أنه إذا كان ذلك لعذر صحت الصلاة وأدرك فضيلة الجماعة، فإن كان لغير عذر بطلت صلاته.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (11199)، ورقم:(358112)، ورقم:(333882). 

ولم نقف، بعد طول البحث، على من صرح من الفقهاء في هذه الصور، أو غيرها مما ذكروا فيه الكراهة ؛ أنها تفوت به فضيلة الجماعة ، سوى الشافعية فقط، فهم الذين ذكروا ذلك قاعدة لهم في المذهب، وصرحوا بأن ذلك جار في كل مكروه يرتكبه في صلاة الجماعة.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، رحمه الله: "فَإنْ فَعَلَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ؛ بِأنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ فَأقَلَّ، أوْ قارَنَهُ، أوْ تَأخَّرَ إلى فَراغِهِ: لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ، وكُرِهَ كَراهَةَ تَحْرِيمٍ فِي سَبْقِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: ( أما يَخْشى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمامِ أنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمارٍ )، وكَراهَةَ تَنْزِيهٍ فِي الآخَرَيْنِ، لِمُخالَفَةِ الأخْبارِ الآمِرَةِ بِالمُتابَعَةِ ...

وفاتَهُ فَضْلُ الجَماعَةِ؛ لِارْتِكابِهِ المَكْرُوهَ.

قالَ الزَّرْكَشِيُّ: ويَجْرِي ذَلِكَ فِي سائِرِ المَكْرُوهاتِ.

وضابِطُهُ: أنَّهُ حَيْثُ فَعَلَ مَكْرُوهًا مَعَ الجَماعَةِ، مِن مُخالَفَةِ مَأْمُورٍ بِهِ فِي المُوافَقَةِ والمُتابَعَةِ، كالِانْفِرادِ عَنْهُمْ: فاتَهُ فَضْلُها؛ إذْ المَكْرُوهُ لا ثَوابَ فِيهِ ، مَعَ أنَّ صَلاتَهُ جَماعَةٌ؛ إذْ لا يَلْزَمُ مِن انْتِفاءِ فَضْلِها: انْتِفاؤُها..." انتهى من "أسنى المطالب" (1/228)، وينظر: حاشية الرملي عليه. وينظر أيضا: "الحاوي للفتاوى" للسيوطي (1/63) وما بعدها.

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب