هل يجب تصديق من حلف بالله تعالى ولو كان كاذبا؟

07-10-2024

السؤال 392128

سمعت أن هناك حديثاً يقول من حلف بالله يجب عليك أن تصدقه، وإذا كان يكذب فهذا عليه، لكن علينا تصديقه. هل هذا صحيح؟ وأين الحديث؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

روى ابن ماجه (2179) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ” سَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ ، فَقَالَ: لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ.

قال البوصيري في ” مصباح الزجاجة ” ( 2/143) : ” هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ” ، وقال ابن حجر في ” الفتح ” (11/535) : ” سنده حسن”.

ثانيا:

ليس معنى الحديث : وجوب تصديق كل من حلف بالله ، ولو كان معروفا بالكذب، فإن هذا لا تأتي به الشريعة.

قال ابن القيم رحمه الله :

“الشريعة مبناها على تصديق الصادق وقبول خبره، وتكذيب الكاذب ، والتوقف في خبر الفاسق المتهم ، فهي لا ترد حقا ، ولا تقبل باطلا” انتهى، “أعلام الموقعين” (1/117) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان المراد بهذا الحديث:

“قوله صلى الله عليه وسلم : (من حلف بالله ؛ فليصدق ، ومن حلف له بالله ، فليرض) . هنا أمران :

الأمر الأول : للحالف ؛ فقد أُمر أن يكون صادقاً ، والصدق : هو الإخبار بما يطابق الواقع ، وضده الكذب ، وهو : الإخبار بما يخالف الواقع ، فقوله: (من حلف بالله ، فليصدق) ، أي : فليكن صادقاً في يمينه …

الثاني : للمحلوف له ، فقد أمر أن يرضي بيمين الحالف له .

فإذا قرنت هذين الأمرين بعضهما ببعض ، فإن الأمر الثاني يُنَزّل على ما إذا كان الحالف صادقاً؛ لأن الحديث جمع أمرين: أمراً موجهاً للحالف، وأمراً موجها للمحلوف له، فإذا كان الحالف صادقاً ؛ وجب على المحلوف له الرضا .

فإن قيل : إن كان صادقاً فإننا نصدقه وإن لم يحلف ؟

أُجيب : أن اليمين تزيده توكيداً .

قوله : (ومن لم يرض ، فليس من الله) . أي : من لم يرض بالحلف بالله إذا حُلف له ؛ فليس من الله ، وهذا تبرؤ منه يدل على أن عدم الرضا من كبائر الذنوب ، ولكن لا بد من ملاحظة ما سبق ، وقد أشرنا أن في حديث القسامة دليلاً على أنه إذا كان الحالف غير ثقة ؛ فلك أن ترفض الرضا به ؛ لأنه غير ثقة ، فلو أن أحداً حلف لك ، وقال : والله ؛ إن هذه الحقيبة من خشب . وهي من جلد ، فيجوز أن لا ترضي به لأنك قاطع بكذبه ، والشرع لا يأمر بشيء يُخالف الحس والواقع ، بل لا يأمر إلا بشيء يستحسنه العقل ويشهد له بالصحة والحسن ، وإن كان العقل لا يدرك أحياناً مدى حسن هذا الشيء الذي أمر به الشرع ، ولكن ليعلم علم اليقين أن الشرع لا يأمر إلا بما هو حسن ، لأن الله تعالى يقول : (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) [ المائدة : 50 ] ، فإذا اشتبه عليك حُسن شيء من أحكام الشرع ؛ فاتهم نفسك بالقصور أو بالتقصير ، أما أن تتهم الشرع ، فهذا لا يمكن ، وما صح عن الله ورسوله ، فهو حق وهو أحسن الأحكام…

وقد سبق أن من حلف على يمين كاذبة أنه آثم ، وقال بعض العلماء : إنها اليمين الغموس.

وأما بالنسبة للمحلوف له ، فهل يلزمه أن يصدق أم لا ؟

المسألة لا تخلو من أحوال خمس :

الأولى : أن يُعلم كذبه ؛ فلا أحد يقول : إنه يلزم تصديقه .

الثانية : أن يترجح كذبه ؛ فكذلك لا يلزم تصديقه .

الثالثة : أن يتساوي الأمران ؛ فهذا يجب تصديقه .

الرابعة : أن يترجح صدقه ، فيجب أن يصدق .

الخامسة : أن يعلم صدقه ؛ فيجب أن يصدقه .

وهذا في الأمور الحسية ، أما الأمور الشرعية في باب التحاكم ، فيجب أن يرضى باليمين ويلتزم بمقتضاها ، لأن هذا من باب الرضا بالحكم الشرعي ، وهو واجب .” انتهى، باختصار من “القول المفيد” (2/157- 159) .

فتبين بهذا معنى الحديث ، وأننا يجب علينا أن نصدق من حلف بالله تعالى إذا علمنا أو غلب على ظننا أنه صادق ، أو شككنا في صدقه . أما من علمنا أو غلب على ظننا أنه كاذب فلا يجب تصديقه .

والله أعلم .

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب