سمعت أن هناك حديثاً يقول من حلف بالله يجب عليك أن تصدقه، وإذا كان يكذب فهذا عليه، لكن علينا تصديقه. هل هذا صحيح؟ وأين الحديث؟
الحمد لله.
أولا :
روى ابن ماجه (2179) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ” سَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ ، فَقَالَ: لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ.
قال البوصيري في ” مصباح الزجاجة ” ( 2/143) : ” هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ” ، وقال ابن حجر في ” الفتح ” (11/535) : ” سنده حسن”.
ثانيا:
ليس معنى الحديث : وجوب تصديق كل من حلف بالله ، ولو كان معروفا بالكذب، فإن هذا لا تأتي به الشريعة.
قال ابن القيم رحمه الله :
“الشريعة مبناها على تصديق الصادق وقبول خبره، وتكذيب الكاذب ، والتوقف في خبر الفاسق المتهم ، فهي لا ترد حقا ، ولا تقبل باطلا” انتهى، “أعلام الموقعين” (1/117) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان المراد بهذا الحديث:
“قوله صلى الله عليه وسلم : (من حلف بالله ؛ فليصدق ، ومن حلف له بالله ، فليرض) . هنا أمران :
الأمر الأول : للحالف ؛ فقد أُمر أن يكون صادقاً ، والصدق : هو الإخبار بما يطابق الواقع ، وضده الكذب ، وهو : الإخبار بما يخالف الواقع ، فقوله: (من حلف بالله ، فليصدق) ، أي : فليكن صادقاً في يمينه …
الثاني : للمحلوف له ، فقد أمر أن يرضي بيمين الحالف له .
فإذا قرنت هذين الأمرين بعضهما ببعض ، فإن الأمر الثاني يُنَزّل على ما إذا كان الحالف صادقاً؛ لأن الحديث جمع أمرين: أمراً موجهاً للحالف، وأمراً موجها للمحلوف له، فإذا كان الحالف صادقاً ؛ وجب على المحلوف له الرضا .
فإن قيل : إن كان صادقاً فإننا نصدقه وإن لم يحلف ؟
أُجيب : أن اليمين تزيده توكيداً .
قوله : (ومن لم يرض ، فليس من الله) . أي : من لم يرض بالحلف بالله إذا حُلف له ؛ فليس من الله ، وهذا تبرؤ منه يدل على أن عدم الرضا من كبائر الذنوب ، ولكن لا بد من ملاحظة ما سبق ، وقد أشرنا أن في حديث القسامة دليلاً على أنه إذا كان الحالف غير ثقة ؛ فلك أن ترفض الرضا به ؛ لأنه غير ثقة ، فلو أن أحداً حلف لك ، وقال : والله ؛ إن هذه الحقيبة من خشب . وهي من جلد ، فيجوز أن لا ترضي به لأنك قاطع بكذبه ، والشرع لا يأمر بشيء يُخالف الحس والواقع ، بل لا يأمر إلا بشيء يستحسنه العقل ويشهد له بالصحة والحسن ، وإن كان العقل لا يدرك أحياناً مدى حسن هذا الشيء الذي أمر به الشرع ، ولكن ليعلم علم اليقين أن الشرع لا يأمر إلا بما هو حسن ، لأن الله تعالى يقول : (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) [ المائدة : 50 ] ، فإذا اشتبه عليك حُسن شيء من أحكام الشرع ؛ فاتهم نفسك بالقصور أو بالتقصير ، أما أن تتهم الشرع ، فهذا لا يمكن ، وما صح عن الله ورسوله ، فهو حق وهو أحسن الأحكام…
وقد سبق أن من حلف على يمين كاذبة أنه آثم ، وقال بعض العلماء : إنها اليمين الغموس.
وأما بالنسبة للمحلوف له ، فهل يلزمه أن يصدق أم لا ؟
المسألة لا تخلو من أحوال خمس :
الأولى : أن يُعلم كذبه ؛ فلا أحد يقول : إنه يلزم تصديقه .
الثانية : أن يترجح كذبه ؛ فكذلك لا يلزم تصديقه .
الثالثة : أن يتساوي الأمران ؛ فهذا يجب تصديقه .
الرابعة : أن يترجح صدقه ، فيجب أن يصدق .
الخامسة : أن يعلم صدقه ؛ فيجب أن يصدقه .
وهذا في الأمور الحسية ، أما الأمور الشرعية في باب التحاكم ، فيجب أن يرضى باليمين ويلتزم بمقتضاها ، لأن هذا من باب الرضا بالحكم الشرعي ، وهو واجب .” انتهى، باختصار من “القول المفيد” (2/157- 159) .
فتبين بهذا معنى الحديث ، وأننا يجب علينا أن نصدق من حلف بالله تعالى إذا علمنا أو غلب على ظننا أنه صادق ، أو شككنا في صدقه . أما من علمنا أو غلب على ظننا أنه كاذب فلا يجب تصديقه .
والله أعلم .