نويت أن أذهب إلى أداء العمرة، وسألني شخص هل ستذهب إلى العمرة فحلفت إنني لن أذهب، وكان حلفي لأنني لا أريد أن يعلم أحد بذهابي إلى أداء العمرة، فهل علي كفارة يمين؟ وهل أخرج الكفارة قبل الذهاب أم بعده؟ وكم مقدار كفارة اليمين من المال؟
الحمد لله.
أولا:
أحسنت لأنك تريدين إخفاء عملك الصالح عن الناس ، ولكنك لم تحسني حين حلفتِ أنك لن تذهبي إلى العمرة، وأنت عازمة على أدائها ، لأنك لم تكوني مضطرة لذلك، وكان يكفيك أن تستعملي المعاريض ؛ فتتكلمين بكلام يفهم منه السامع أنك لن تذهبي إلى العمرة ، من غير أن تصرحي بذلك ، أو تقصديه. كما لو قلتِ له مثلا : إنني مشغولة هذه الأيام ، أو ذكرتِ سفرا، لا تصرحين فيه بالعمرة، أو نحو ذلك .
وينظر السؤال رقم: (170223)، فقد ذكرنا فيه أن استعمال المعاريض إذا احتاج إليها المسلم لا بأس به، ويقي نفسه بذلك من الكذب.
ثانيا:
اليمين المنعقدة هي اليمين التي يحلفها المسلم على أمر في المستقبل أنه سيفعله، أو لا يفعله، فإذا خالف ما حلف عليه، ولم يحافظ على يمينه فتجب عليه الكفارة.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"من حلف أن يفعل شيئا فلم يفعله، أو لا يفعل شيئا ففعله فعليه الكفارة، لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار" انتهى من "المغني" (13/445).
وعلى هذا، فإذا ذهبت إلى العمرة؛ فعليك كفارة يمين، تكفر عنك الإثم الحاصل بالحنث في اليمين.
ثالثا:
إذا حلف المسلم على شيء لا يفعله في المستقبل، وأراد أن يحنث، فإنه يخير بين إخراج الكفارة قبل الحنث أو بعده، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ البخاري (6343)، ومسلم (1652) .
وروى البخاري (3133)، ومسلم (1649) عن أَبِي مُوسَى قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا، والتحلة هي الكفارة.
وبوَّب الإمام البخاري لهذين الحديثين بقوله : "باب الكفارة قبل الحنث وبعده".
ووجه الاستدلال: أن هذه الأحاديث جاءت مرةً بتقديم الكفارة على الحنث، ومرة أخرى بتأخير الكفارة، وعطفت بالواو، وهي لا تدل على الترتيب، مما يدل على أن تقديم الكفارة وتأخيرها عن الحنث كلاهما صحيح جائز.
قال الباجي وابن التين : "الروايتان دالتان على الجواز، لأن الواو لا ترتب" انتهى من "فتح الباري" (11/618).
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله:
"وَمَنْ حَلَفَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ صَوْمًا، أَوْ غَيْرَهُ ...
فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَابْنُهُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ..." انتهى من "المغني" (13/481-483) باختصار.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"يجوز التكفير قبل الحنث وبعده" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (23/142).
رابعا:
إذا حنثتِ في يمينك بالذهاب إلى العمرة، واخترت تأخير الكفارة بعد الحنث، فيجب عليك المبادرة بإخراج الكفارة، لأنها تجب بعد الحنث على الفور، بمعنى: أنه لا يجوز تأخيرها إلا لعذر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الكفارات تجب على الفور، إلا ما نص الشرع فيها على التراخي" انتهى من "الشرح الممتع" (7/208).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(220190).
خامسا:
كفارة اليمين ذكرها الله تعالى في قوله: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة/89.
وقد سبق بيانها بالتفصيل في جواب السؤال رقم:(45676).
ولا يجوز إخراج الكفارة قيمة، بل الواجب إخراجها كما أمر الله، إما عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم.
والله أعلم.