الحمد لله.
أولا:
غائط الإنسان نجس، لا يُعلم فيه خلاف.
قال ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع"(1/109): "والعذرات وأبوال ما لا يؤكل لحمه، قليل ذلك وكثيره: رجس نجس عند الجمهور من السلف، وعليه جماعة فقهاء الأمصار" انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/64): " ما خرج من السبيلين، كالبول، والغائط، والمذي، والودي، والدم، وغيره. فهذا لا نعلم في نجاسته خلافا، إلا أشياء يسيرة، نذكرها إن شاء الله تعالى" انتهى.
ثانيا:
التداوي بالنجاسات، محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من منع التداوي بجميع النجاسات، لعموم الأدلة التي تمنع من التداوي بالمحرمات، وهو مذهب الحنابلة، كما في "كشاف القناع" (6/ 198).
ومنهم من أجاز التداوي بجميع النجاسات ما عدا الخمر، وهو مذهب الحنفية والشافعية، كما في "المجموع شرح المهذب" (9/50)، و" فتح القدير" (9/40).
ومنهم من فرق بين ظاهر البدن وباطنه، فلا يجوز التداوي بها عن طريق الأكل والشرب، ويجوز التداوي بها عن طريق وضعها على ظاهر البدن، كالكريمات ونحوها.
وهو مذهب المالكية.
قال في "البيان والتحصيل" (18/429): " البول نجس بالإجماع، فحرم التداوي بشربه، وجاز الانتفاع به في غسل الجرح وشبهه " انتهى.
وهذا القول الثالث هو أظهر الأقوال، بشرط وجود الحاجة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل وصف له شحم الخنزير لمرض به: هل يجوز له ذلك؟ أم لا؟
فأجاب: "أما التداوي بأكل شحم الخنزير فلا يجوز.
وأما التداوي بالتلطخ به، ثم يغسله بعد ذلك، فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة، وفيه نزاع مشهور، والصحيح أنه يجوز للحاجة، كما يجوز استنجاء الرجل بيده وإزالة النجاسة بيده.
وما أبيح للحاجة، جاز التداوي به، كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين، وما أبيح لضرورة كالمطاعم الخبيثة، فلا يجوز التداوي بها، كما لا يجوز التداوي بشرب الخمر" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/199).
والذين أجازوا التداوي بالنجاسة اشترطوا ألا يوجد علاج طاهر.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة" انتهى من "قواعد الأحكام" (1/ 95).
وقال النووي رحمه الله: " إِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ، إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِنْ وَجَدَهُ: حَرُمَتْ النَّجَاسَاتُ، بِلَا خِلَافٍ.
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)، فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ حَرَامًا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَدَاوِي عَارِفًا بِالطِّبِّ، يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذَا مَقَامَهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ، وَيَكْفِي طَبِيبٌ وَاحِدٌ، صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ.
فَلَوْ قَالَ الطَّبِيبُ: يَتَعَجَّلُ لَكَ بِهِ الشِّفَاءُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَأَخَّرَ، فَفِي إبَاحَتِهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ جَوَازَهُ " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (9/50).
فيشترط للتداوي بالنجاسة:
1-أن لا يوجد علاج طاهر، ومنه التداوي بروث البهائم مأكولة اللحم إن كان يصلح لذلك.
2-أن يكون ذلك بقول طبيب مسلم عدل.
ثالثا:
استعمال المحرم والنجس ، من غير أكل وشرب، سواء كان عن طريق الاحتقان، أو الطلاء، ونحو ذلك ، أهون من شرب النجس وأكله.
ولهذا إذا احتاج المريض للعلاج بالعذرة، فإنه يستعملها عن طريق الاحتقان من الدبر، لا عن طريق الأنف أو الفم.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (175286).
والله أعلم.