الحمد لله.
أولا :
إذا قال الواقف : إن هذا وقف على فلان وفلان ما تناسلوا ، بطنا عن بطن ، فإن غلة الوقف تقسم على البطن الأول بالتساوي ، فإن مات أحد من البطن الأول فهل يذهب نصيبه إلى أولاده أم إلى من بقي من البطن الأول؟
فيه قولان للعلماء ، فذهب بعضهم إلى أنه يذهب إلى من بقي من البطن الأول، ولا يأخذ أحد من البطن الثاني شيئا إلا بعد انقراض البطن الأول.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يبين أنه يجب العمل بشرط الواقف في ترتيب المستحق:
"قوله: وترتيب، الترتيب أن يأتي بما يدل على الترتيب، مثل أن يقول: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم، أو وقف على أولادي بطناً بعد بطن، أو وقف على أولادي، فإذا عدم البطن الأول فللثاني، فهذا نسميه ترتيباً، ولا يختص بـ (ثم)، فكل ما دل على الترتيب نعمل به.
لكن إذا قال قائل: ما الفرق بين الترتيب والتقديم؟
فالجواب: أنه في الترتيب لا يستحق البطن الثاني شيئاً مع البطن الأول، وفي التقديم يستحق البطن الثاني مع الأول ما فضل عن الأول، فالبطن الأول والثاني كلاهما مستحق، لكن يقدم البطن الأول، فيمكن أن يشترك البطن الأول والثاني في مسألة التقديم، مثل أن يقول: هذا وقف على أولادي يُقدم الأحوج، فإذا أعطينا الأحوج ما يكفيه ـ لأن الريع كثير ـ وبقي بقية، أعطينا البطن الثاني ما يحتاجه منها، لكن لو قال: وقف على أولادي، ثم أولادهم وكان الريع كثيراً، وأعطينا الأولاد حاجتهم وزاد أضعافاً، فهل نعطي البطن الثاني شيئاً؟ لا؛ لأنه قال: (ثم) وما بعد (ثم) لا يشارك ما قبلها لوجود الترتيب، ولو قال: بطناً بعد بطن، فكذلك هو ترتيب" انتهى "الشرح الممتع" (11/37) .
وقال أيضا (11/44):
"وإذا وقف على أولاده وهم ثلاثة، ثم مات أحدهم عن بنين، فلا يستحقون مع أعمامهم؛ لأن هذا ترتيب بطن على بطن.
لكن لو قال: من مات عن ولد فنصيبه لولده، فيستحق أولاد الولد الذي مات، ويكونون محل أبيهم، ويُعمَل في أولاد الذي مات كما يعمل في أولاد الصلب، فيقال: هو لأولاد الابن الذي مات، الذكور والإناث بالسوية" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (44/160):
"وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْبُطُونِ قَدْ يَكُونُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ( ثُمَّ ) أَوِ ( الْفَاءِ )؛ فَلَوْ قَال الْوَاقِفُ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي ، ثُمَّ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِي ، ثُمَّ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِ أَوْلاَدِي مَا تَنَاسَلُوا ، أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ، فَتُصْرَفُ غَلَّةُ الْوَقْفِ إِلَى الْبَطْنِ الأْوَّل وَهُمْ أَوْلاَدُهُ ، لاَ يُصْرَفُ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي شَيْءٌ إِلاَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الأْوَّل ، وَلاَ يُصْرَفُ إِلَى الْبَطْنِ الثَّالِثِ شَيْءٌ مَا بَقِيَ مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِي وَاحِدٌ" انتهى.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن من مات من البطن الأول انتقل نصيبه إلى أولاده.
فقال رحمه الله:
"والأظهر فيمن وقف على ولديه نصفين، ثم على أولادهما، وأولاد أولادهما، وعقبهما بعدهما، بطنا بعد بطن؛ أنه ينتقل نصيب كل واحد إلى ولده، وإن لم ينقرض جميع البطن الأول ، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد" انتهى، "الاختيارات" (ص 259) .
وقد أخذتم بهذا القول في الأخ الذي توفي من البطن الأول.
ثانيا:
أما الأخ الذي توفي وليس له أولاد ، فإن نصيبه من الوقف يذهب لأخيه ، لأنه هو المتبقي من البطن الأول ، وليس لهذا الأخ المتوفى أولاد حتى يقال إن نصيبه ينتقل إليهم ، على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/199):
"فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُرَتَّبًا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ، كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ" انتهى.
والله أعلم.