قرأت الأساليب المتاحة لبيع ما لا أملك، مثل: الوكالة عن الموزع، وأريد أن أعرف ما الذي يفرق بينها وبين البيع العادي؟ هل مجرد النية، أو مجرد كتابة العقد أنه وكالة، أو اتفاق شفهي؟
لأنه في النهاية أقوم بشراء شيء منه بملغ، وأبيعه بأكثر، سواء البيع كان فرق مكسب، أو أجرة وكالة، مثال: لو قمت ببيع كتاب ثمنه 100 جنيه، فما الفرق إن باعه لي المورد ب 80 جنيها، وكسبت 20 أو بيعته كوكيل عنه ب 100، وأعطاني 20 أجر وكالة، فهل مجرد التسميات تفرق في الحلال والحرام، أم ذلك يستدعي ألا أعطيه إلا 80 جنيها مسبقا، وانتظر أن أحصل أولا من العميل، وبعد ذلك أعطيه.
هل يوجد خطوات فعلية ليكون البيع حلالا أم مجرد تسميات؛ لأن ما قرأته في كل الفتاوى لا يجيب عن ذلك، وفي أحد الفتاوي رقم: (259320) قرأت جملة \”وصورة الوكالة بأجرة صالحة لك إن رضي الموزع بذلك، واعتبرك وكيلا عنه، مقابل عمولة يدفعها لك، وحينئذ لا يصح أن تودع مالا مسبقا في حسابه، لأنك وكيل عنه، لا تشتري منه.\”
وكما نعلم أن السوق لا يرضى بذلك إلا لو كان فيه سابق تعامل، ولكن يرضى أن يدفع التاجر للموزع ثمن المنتجات بالسعر المخفض، 80 جنيها كما بالمثال؟
الحمد لله.
الفرق بين الوكالة والشراء من الموزع يظهر في أمور:
1-في الوكالة تبقى السلعة ملكا للموزع، وعلى ضمانه إلى أن تباع، والوكيل مؤتمن في حفظها، فلو تلفت في هذه المدة قبل بيعها، دون تعد أو تفريط من الوكيل: تلفت على صاحبها وهو الموزع، ولم يتحمل الوكيل شيئا.
أما في الشراء فإن السلعة تكون على ضمان مشتريها، وتتلف عليه.
وقد جاء في أول كلامك أنه في الوكالة تشتري السلعة، وهذا ليس صحيحا، بل السلعة تبقى على ملك الموزع حتى تبيعها عنه لطرف ثالث.
2-في الوكالة لا تدفع شيئا للموزع، ولا يجوز أن تفعل ذلك، لأن المال الذي تدفعه: إذا انتفع به الموزع كان سلفا مضمونا عليه، ولا يجوز الجمع بين السلف والوكالة بأجرة؛ لما روى الترمذي (1234)، وأبو داود (3504)، والنسائي (4611) عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) وصححه الترمذي، والألباني.
ويلحق بالبيع جميع عقود المعاوضة عند الجمهور، ومنها الوكالة بأجرة.
وإذا كان الموزع لن يعطيك السلعة ويوكلك في بيعها إلا بعد دفع مال له، فهذا محرم.
3-في الوكالة يكون ربح الوكيل مقيدا بما حدده له الموكل، إلا في صورة: بع بكذا وما زاد فهو لك، وهو صورة جائزة على الراجح.
وأما في الشراء فإن المشتري يبيع السلعة بما شاء من ربح، ولا دخل للبائع الأول بتحديد ثمن البيع. وهذا بالإجماع.
4-في الوكالة لا يملك الوكيل السلعة، ولا يشترط أن تكون عنده، ويجوز أن يبيعها بالصفة ويطلب من الموزع شحنها للمشتري.
أما في البيع فيجب أن يملك المشتري السلعة ويحوزها، قبل أن يبيعها لغيره، ولا يجوز أن يبيعها وهي عند الموزع، ولا أن يطلب منه شحنها للزبون؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) رواه أحمد (15316)، والنسائي (4613)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم:(342).
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت: " أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" والحديث حسنه الألباني في" صحيح أبي داود".
وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رواه البخاري (2133)، ومسلم (1525) وزاد: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ".
ولأنه لو باع السعة وهي في محلها الأول، فإنه يكون قد ربح فيما لم يضمن، وهذا منهي عنه، لقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ) رواه الترمذي (1234) وقال: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وأبو داود (3504)، والنسائي (4629)، وابن ماجه (2188)، وأحمد (6591)، وصححه الألباني في " الصحيحة" (1212).
وقد بان بهذا الفرق بين أن تكون وكيلا عن الموزع وبين أن تكون مشتريا منه، وأن الأمر ليس صوريا أو لفظيا، بل يترتب عليه كثير من الأحكام.
والله أعلم.