أعاني من القولون العصبي من عشر سنين، ومن أكثر أعراضه التي تنغصني الانتفاخات، والغازات المستمرة والدائمة، والحمد لله رزقني الله بتوبة لي معها شهر أو يزيد، ومن وقت بلوغي لا أصلي، ولا أصوم إلا اليسير، ومنذ توبتي وأنا أحافظ علي صلواتي، ولكن قرأت أحاديث وجوب الصلاة في المسجد، فحاولت ذلك، ولكن كنت أضطر أن أمسك الغازات أن تخرج وأنا أصلي في كل صلاة، فأصبحت أصلي في البيت، ولكن جاءت لي فكرة لكي لا يفوتني ثواب الصلاة في المسجد، علما بأن المسجد بجانب البيت، والفكرة هي: أن أتوضأ عند الأذان، وأنزل أصلي منفردا الفريضة في المسجد، ثم أعود إلى بيتي، علما إنني فعلت ذلك بالأمس في صلاة العشاء، وكنت أمسك الغازات أن تخرج وأنا أصلي، فما حكم ذلك؟
الحمد لله.
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة ، ونسأله تعالى أن يزيدك هدى وثباتا .
ثانيا :
القول بوجوب الصلاة في المسجد: المراد به الصلاة مع الجماعة، وليس صلاة المرء منفردا؛ لما روى مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ” أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ.
وينظر: جواب السؤال رقم: (249439)، ورقم: (120)، ورقم: (8918).
ثانيا:
إذا كانت الغازات أو الريح تتوقف وقتا معينا، لزمك تأخير الصلاة إليه، وهذا عذر يبيح لك التخلف عن الجماعة.
قال في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 285): ” يعذر بترك جمعة وجماعة: مريض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «لما مرض تخلف عن المسجد. وقال مروا أبا بكر فليصل بالناس» ” متفق عليه. (و) كذا (خائف حدوث مرض) لأنه في معنى المريض ” انتهى.
ولأن أداء الصلاة مع الطهارة مقدم على الجماعة.
وأما إن كانت الريح مستمرة، أو تتوقف وقتا غير معلوم، فهذا سلس ريح، ويلزمك الوضوء بعد دخول الوقت، ولا حرج أن تصلي مع جماعة المسجد إلا إذا كان للريح رائحة كريهة، فليس لك الذهاب للمسجد، منعا للأذى، سواء صليت مع الجماعة أو صليت وحدك؛ لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم؛ لما روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وقَالَ مَرَّةً : مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ.
قال في “مطالب أولي النهى” (1/ 699): “وكره حضور مسجد وجماعته لآكل نحو بصل أو فجل أو كراث , وكل ما له رائحة كريهة , حتى يذهب ريحه للخبر , ولإيذائه.
وظاهره: ولو لم يكن بالمسجد أحد , لتأذي الملائكة ، وكذا نحو من به بَخَر وصُنَّان , وجزار له رائحة منتنة , ويستحب إخراجهم دفعا للأذى ” انتهى.
وقال في “كشاف القناع” (2/365) : ” ( ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاةِ ) عيْنٍ ( ومخاط وتقليم أظفار وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط )؛ لحديث أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { عُرِضت علي أجورُ أمتي؛ حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد } رواه أبو داود ، وعن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من أخرج أذى من المسجد، بنى الله له بيتا في الجنة } ; لأن المساجد لم تبن لذلك”.
( و ) يسن أيضا أن يصان ( عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوهم ) كفجل , وإن لم يكن فيه أحد، لقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس } رواه ابن ماجه وقال : { من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا } . وفي رواية { : فلا يقربن مساجدنا } رواه الترمذي وقال : حسن صحيح .
( فإن دخله ) أي : المسجد ( آكل ذلك ) أي: ما له رائحة كريهة، من ثُوم وبصل ونحوهما , ( أو ) دخله ( من له صُنان أو بخر: قويَ إخراجه )؛ أي استحباب إخراجه إزالة للأذى.
( وعلى قياسه : إخراج الريح من دبره فيه ) أي في المسجد، بجامع الإيذاء بالرائحة ، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك، ويُخرج منه لأجله ” انتهى.
ومثل ذلك أن يكون للريح صوت يسمعه من بجوارك، أو لا تأمن انفلات ذلك غالبا؛ فلا ريب أن ذلك حرج بالغ لصاحبه، ويتأذى بسماع الناس ذلك منه، ويعاب به؛ فيعذر بترك الجماعة لأجل ذلك.
والله أعلم.