نعلم أن للصائم دعوة مستجابة، فهل هذا الدعوة تكون في أي وقت من اليوم أو تكون أثناء وقت صومه أو تكون عنده فطره فقط؟
الحمد لله.
أولا:
قد وردت بعض الأحاديث في استجابة الله دعاء الصائم، إما مطلقا أثناء صومه، أو مقيدة حين الفطر.
أما الذي ورد في استجابة الدعاء أثناء الصوم مطلقا فقد جاء فيه حديثان ، أحدهما صحيح، والآخر ضعيف .
أما الصحيح فأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6392)، والضياء في "المختارة" (2057) ، من حديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ ، دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1797) .
وأما الضعيف فأخرجه الترمذي في "سننه" (3598)، وابن ماجه في "سننه" (1752) ، وأحمد في "مسنده" (8043)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1901)، من طريق سَعْدٍ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِي ، عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ).
والحديث صححه ابن الملقن في "البدر المنير" (5/152)، وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1358) .
وعلته " أبو المدلة عبيد الله بن عبد الله مولى أم المؤمنين عائشة ".
قال فيه ابن المديني كما في "تهذيب التهذيب" (12/227) :" مجهول " انتهى ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/571) :" لا يكاد يعرف " انتهى، وقال ابن حجر في "التقريب" (8349) :" مقبول " انتهى.
وإن صح فمعناه أنه يستجاب للصائم طيلة اليوم حتى يفطر، أو يدخل زمان الإفطار .
قال ابن علان رحمه الله: " قوله: (هكذَا الرِّوايةُ حتى بالمثنَّاةِ الفوْقيةِ). قال الحافظ كأنه يريد الإشارة إلى أنها وردت بلفظ حين بدل حتى، وهو كذلك...". انتهى من "الفتوحات الربانية" (4/338).
وأما ما ورد مقيدا بوقت الفطر، فقد جاءت فيه عدة أحاديث ، لكنها لا تثبت ، وإنما يثبت منها أثر موقوف .
أما الأحاديث المرفوعة :
فالأول :
أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1753)، والطبراني في "الدعاء" (919)، والحاكم في "المستدرك" (1535)، من طريق حَدّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ).
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (921) .
الثاني :
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (2376)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3624)، من طريق أبي مُحَمَّدٍ الْمُلَيْكِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ )، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا ".
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (4/44) .
وأما الأثر الموقوف :
أخرجه ابن الأعرابي في "معجمه" (349)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3620)، من طريق محمد بن سليمان الباغندي، قال نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:(كَانَ يُقَالُ: لِكُلِّ مُسْلِمٍ صَائِمٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ)، قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ اغْفِرْ لِي ".
وإسناده حسن .
فأما " عبد العزيز بن أبي رواد "، فقد وثقه يحيى بن سعيد القطان، وأبو حاتم، وابن معين، وقال أحمد بن حنبل :" رجل صالح وكان مرجئا ، وليس هو في التثبت مثل غيره "انتهى من "الجرح والتعديل" (5/394) .
وأفحش ما قيل فيه ما قاله ابن حبان في "المجروحين" (2/137) :" روى عبد الْعَزِيز عَن نَافِع عَن ابن عمر نُسْخَة مَوْضُوعَة، لَا يحل ذكرهَا إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار "انتهى.
علق الذهبي كما في "سير أعلام النبلاء" (7/187) على ذلك ، فقال :" قُلْتُ: الشَّأْنُ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهَا إِلَى عَبْدِ العَزِيْزِ ، فَلَعَلَّهَا قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ "انتهى.
وأما " محمد بن يزيد بن خنيس " ، فقد وثقه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/127) ، وقال ابن حبان في "الثقات" (9/61) :" وَكَانَ من خِيَار النَّاس، رُبمَا أَخطَأ؛ يجب أَن يعْتَبر حَدِيثه إِذا بَين السماع فِي خَبره، وَلم يرو عَنهُ إِلَّا ثِقَة "انتهى، وقال ابن حجر في "التقريب" (6396) :" مقبول"انتهى.
وأما " محمد بن سليمان الباغندي" : قال فيه الدارقطني " لا بأس به " ، وقال الخطيب :" رواياته كلها مستقيمة " انتهى من "تاريخ بغداد" (3/226) .
ثانيا:
استحب جماعة من أهل العلم الدعاء عند الفطر؛ فممن ذكره في الكتب المصنفة: وابن مفلح كما في "المبدع" (3/42)، وابن رجب كما في "لطائف المعارف" (ص168)، والمرداوي كما في "الإنصاف" (3/235)، والسفاريني كما في "كشف اللثام" (3/574)، والبهوتي في "كشاف القناع" (2/332)؛ عملا بهذه الأحاديث الواردة في استجابة الدعاء عند الإفطار، ولعل المرفوع مع ضعفه يتقوى بالموقوف، ويدل على أن له أصلا .
وخلاصة الأمر :
أن دعاء الصائم حال صومه إلى أن يفطر مستجاب، وقد صحت بذلك الأحاديث، ولعل آكده أن يكون عند فطره، كما ورد في روايات أخر.
وينظر للفائدة: جواب سؤال : (متى تكون دعوة الصائم التي لا ترد ؟).
والله أعلم