ما حكم الرجل إذا أراد معاونة المختلعة في دفع نصف قيمة المهر حتى تخالع زوجها؟ وذلك في حال وقوع الشقاق بين الزوجين حتى ذهبت البنت إلى بيت أبيها، ومكثت أكثر من نصف السنة إلى الآن مع العلم أن البنت تريد الخلع، ولكن المهر كثير، والأب يستطيع رد نصف، فهل يجوز أن يعطي شخص للأب المبلغ المتبقي من مهر ابنته لتختلع من زوجته، على أن يتزوجها ذلك الشخص؟
الحمد لله.
الخُلعُ هو الفرقةُ بين الزوجين بعِوَضٍ تبذله المرأةُ للزوج.
والأصلُ فيه قوله تعالى : (فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦ ) البقرة/229 .
قال ابنُ قدامة في “المغني” (7/324) : ” وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام ، قال ابن عبد البر ولا نعلم أحدًا خالفه ، إلا بكر بن عبد الله المزني؛ فإنه لم يُجِزْه ، وزعم أنّ آيةَ الخُلع منسوخة ” انتهى .
وإذا جاز للمرأة أنْ تختلعَ مِن زوجِها جازت معاونتُها في تحقيق مرادِها بدفع المالِ الذي تؤدِّيه إلى زوجِها لتختلعَ منه ؛ لأنّ للوسائلِ أحكامَ المقاصد .
والخلعُ إذا كان مع استقامةِ الحالِ بين الزوجين ، وعدمِ وجود ما يقتضيه فهو مكروهٌ ؛ لأنه سببٌ للطلاق المكروه، وهدم النكاح المتضمِّن للمصالح الشرعية الكثيرة .
ويكون الخلعُ مباحًا إذا كرهت المرأةُ زوجَها وخافت إثمًا بتركِ حقّه كما قال تعالى : ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦ ) البقرة/229 .
جاء في “روضة الطالبين” للنووي (7/374) : ” لا كراهةَ فيه إنْ جرى في حال الشقاقِ ، أو كانت تكره صحبتَه لسوء خُلقه أو دينِه ، أو تحرّجت من الإخلال ببعض حقوقِه ، أو ضربها تأديبًا فافتدت ” انتهى.
وقال الشيخ موسى الحجّاوي في “الإقناع في فقه الإمام أحمد” (3/252) : ” وإذا كرهت المرأةُ زوجَها لخَلقِة أو خُلُقِه أو لنَقصِ دِينه أو لكِبَرِه أو ضَعفِه أو نحو ذلك وخافت إثمًا بترك حقِّه : فيُباح لها أن تخالعَه على عِوضٍ تَفتدي به نفسَها منه ، ويسنُّ إجابتُها إلا أن يكون له إليها ميلٌ ومحبةٌ فيستحبُّ صبرُها وعدم افتدائها ، وإن خالعتْه مع استقامة الحالِ : كُره ، ووقع الخلعُ ” انتهى .
فإذا كانت المرأةُ متضرّرةً بالبقاء في ذمّة الزوج ؛ لتضييقه عليها ، وامتناعِه مِن بعض حقوقها ورفضِه طلاقَها ، وهي ترغب بالفكاك منه فمساعدتُها بالمال الذي تختلع به مِن زوجِها مما يؤجَر عليه الإنسان ؛ لمساهمتِه في رفع الضررِ عنها .
ولكن لا يجوز أن يكون غرضُ الدافعِ للمال أن تتخلّص المرأة مِن زوجِها ليتزوجَها الدافع ، وإذا جعل ذلك شرطًا في دفع المال خُشي أن يكون داخلًا في تخبيب المرأة على زوجها الذي جاءت الأدلة بالوعيد فيه ، وتخبيبُ المرأة على زوجِها ، وإفسادُها عليه ، وتبغيضُه إليها ، وإغرائها بفراقه مِن المحرمات وكبائر الذنوب :
وقد ثبت في سنن أبي داود (2175) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا)، وقال الألباني : صحيح .
بل ذهب بعضُ أهل العلم إلى أن نكاح المخبِّب لهذه المرأة بعد طلاقها باطلٌ ؛ معاملةً له بضدِّ قصدِه :
جاء في “كشاف القناع” مِن كتب الحنابلة (11/323) : ” وقال الشيخ -يعني ابن تيمية- في رجلٍ خَبَّبَ أي: خدع امرأةً على زوجِها حتى طلّقها: يُعاقَبُ عقوبةً بليغةً ؛ لارتكابه تلك المعصية ، ونكاحُه باطلٌ في أحد قولَي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويجب التفريقُ بينهما ؛ عقوبةً له ” انتهى .
وجمهورُ العلماء يرون صحةَ النكاح مع الإثم الشديد.
وإذا كان التعريضُ بخِطبة المتوفَّى عنها زوجُها أثناء عدتِها ممنوعًا شرعًا رعايةً لحقّ الزوج كما قال تعالى : ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ) البقرة/235
فكيف بالتصريح بالخِطبة لامرأةٍ متزوجة ، بل والاتفاق على الزواج بها بعد طلاقها من زوجِها ؟!
فالنصيحة للسائل أن يتقي الله تعالى ، ولا يكون سببًا لإغراء المرأة بالاختلاع من زوجِها لتتزوجه هو ، وإذا رأى الضررَ واقعًا على الزوجة ، وهي عازمة على الخلع ، وراغبة في التخلص من زوجِها ولم يكن له دورٌ في ذلك فله أن يساعدهم بالمال مِن غير اشتراط أن يتزوج بها ، ولا تصريح برغبته فيها ولا تلميح بذلك ، ثم إذا اختلعتْ منه وانقضت عدّتُها فله أنْ يتقدّم لخِطبتِها كسائر الخُطّاب ، فإن كان له نصيب فالحمدُ لله ، وإن لم يرضَوا به فليس له المطالبة بما دفعه مِن مال إلا إذا قدّمه لهم على سبيل القرض .
والله أعلم .