ما صحة حديث: (سأل موسى ربه أين أجدك؟ فأجابه الله عز وجل: أنا جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني يا موسى، أنا عند المنكسرة قلوبهم)؟ وما معنى هذا الحديث؟ وهل يجوز أن نقول إن الله سبحانه وتعالى يجلس معنا؟
الحمد لله.
هذا الخبر لا يعرف له إسناد صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ محمد درويش الحوت رحمه الله تعالى:
" حَدِيث: " أَنا جليس من ذَكرنِي ": لَهُ طرق ضَعِيفَة." انتهى. "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب" (ص93).
وإنما هو من كلام كعب الأحبار.
روى الإمام أحمد في "الزهد" (354)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/245): عن وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الأسلمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ:
"قَالَ مُوسَى عليه السلام: يَا رَبِّ، أَقَرِيبٌ أَنْتَ فَأُنَاجِيكَ، أَوْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيكَ؟ قَالَ: يَا مُوسَى، أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، فَإِنَّا نَكُونُ مِنَ الْحَالِ عَلَى حَالٍ نُجِلُّكَ وَنُعَظِّمُكَ أَنْ نَذْكُرَكَ عليها، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْجَنَابَةُ وَالْغَائِطُ.
قَالَ: يَا مُوسَى، اذْكُرْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ".
وكعب هو :كعب الأحبار، كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عالما بكتب أهل الكتاب فكان يحدث منها.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" كعب بن ماتع الحميري، اليماني، العلامة، الحبر، الذي كان يهوديا، فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه، فجالس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3/489).
وأخبار أهل الكتاب التي لم يرد في ديننا ما يكذبها، فإنه لا حرج في الإخبار بها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ البخاري (3461) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب ، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم " انتهى من" فتح الباري" (6/499).
لكن بشرط عدم العمل بها، فلا نكذبها ولا نصدقها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآيَةَ) رواه البخاري (4485).
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لأمته أن تحدث عن بني إسرائيل، ونهاهم عن تصديقهم وتكذيبهم، خوف أن يصدقوا بباطل، أو يكذبوا بحق.
ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات:
في واحدة منها يجب تصديقه: وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه.
وفي واحدة يجب تكذيبه: وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه.
وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق، كما في الحديث المشار إليه آنفا: وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه " انتهى من "أضواء البيان" (4/238).
وما ورد في خبر كعب: من وصف الله تعالى بـ "الجليس"، لا يعلم في نصوص الوحي ما يثبت هذه الصفة، وإنما وردت صفة: "المعيَة".
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ... رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
والمعيّة لا يلزم منها إثبات لفظ "الجليس"، وإن كانت تؤول إليها بضرب من التجوز؛ فالأسلم أن نسكت عن إطلاق ذلك؛ لعدم ورود الوحي بها.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(276121).
والله أعلم.