الحمد لله.
الإصلاح بين الناس عمل صالح مرغب فيه، كما قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/114.
وروى مسلم (1009) عن أبي هرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ. قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ).
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (7/95): "قوله صلى الله عليه وسلم (يعدل بين الاثنين صدقة) أي يصلح بينهما بالعدل" انتهى.
وهذا يعم الصلح بين المسلمين وغيرهم، لا سيما إذا كانوا جيرانا، فإن الجار له حق مؤكد ، وإن كان كافرا، كما قال تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) النساء/36.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/183): "(والجار ذي القربى) أي القريب، (والجار الجنب) أي الغريب، قاله ابن عباس، وكذلك هو في اللغة. ومنه فلان أجنبي... وقال نوف الشامي: (الجار ذي القربى) المسلم (والجار الجنب) اليهودي والنصراني.
قلت: وعلى هذا؛ فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها، مسلما كان أو كافرا، وهو الصحيح. والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى، والمحاماة دونه" انتهى.
وفي "حاشية إعانة الطالبين للدمياطي" (3/97): "وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا) [رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه] ، وإنما خص المسلمين، مع جوازه بين الكفار أيضا؛ لانقيادهم للأحكام غالبا" انتهى.
وقال في "عون المعبود" (9/473): " (بين المسلمين) هذا خرج مخرج الغالب لأن الصلح جائز بين الكفار، وبين المسلم والكافر. ووجه التخصيص أن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون لأنهم المنقادون لها" انتهى.
فلا حرج على والدتك في الصلح بين الزوجين المتخاصمين ولو كانا كافرين، ولها الأجر إن شاء الله.
والله أعلم.