الحمد لله.
أولا:
تلزم طاعة الأب فيما فيه منفعة له، ولا مضرة فيه على الولد، أو فيما يتأذى فيه بعدم طاعته له فيه تأذيا ليس بالهين، بشرط ألا يكون الباعث على الأمر مجرد الحمق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا" انتهى من " الفتاوى الكبرى " (5/ 381).
وجاء في الفتاوى الفقهية لابن حجر الهيتمي: " وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه: يتعين على الولد امتثال أمره، إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل؛ لأني أقيد حد بعض المتأخرين بأن يفعل مع والده ما يتأذى به، أي ليس بالهين؛ بما إذا كان قد يعذر عرفا بتأذيه به، أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به، لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق وحدة حمق وقلة عقل: فلا أثر لذلك التأذي؛ وإلا لوجب طلاق زوجته لو أمره به، ولم يقولوا به" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 128).
وعليه؛ فإن كان سفرك إلى بلدك الأصلي فيه منفعة ظاهرة، كوقايتك من الفتن، وكونك تعيش في بلد إسلامي، وليس فيه مضرة عليك، فيلزمك طاعته.
وإن كان فيه مضرة عليك، أو لا منفعة فيه لوالدك، فلا تجب طاعته حينئذ.
لكن إن أمكنك ذلك، من غير مضرة عليك: فينبغي أن تفعل؛ إحسانا إليه، وتطييبا لخاطره، ثم لا يلزمك بعد ذلك أن تستقر هناك، بل تذهب وترجع، وتبدي له أسباب عدم رغبتك في العيش هناك.
ثانيا:
ينبغي الرجوع إلى الوالدين في اختيار الزوجة، من باب البر بهما، فإن نهياه عن الزواج من فتاة معينة: أطاعهما، لأن برهما واجب، والزواج من امرأة معينة ليس واجبا.
ولا ينبغي الاستهانة بما يبديه الوالد من ملاحظة حول الفتاة التي يختارها الابن، فإن غرض الوالد مصلحة ابنه، وهو أدرى منه غالبا، للسن والخبرة، ما لم يكثر منه الرفض لأسباب واهية كاللون، فإن الجمال واللون مرجعه إلى قول الزوج، وهو أمر نسبي فقد تكون سمراء أجمل من بيضاء.
والنصيحة لك أن تجتهد في بر والدك، والإحسان إليه، والاهتمام برأيه، والتلطف في إقناعه بما يخالف رأيه، وإبداء العذر عند امتثال رغبته.
ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويقضي لك الخير حيث كان.
والله أعلم.