أنا أشاهد أفلاما وثائقية عن الماضي لبعض الشخصيات منها المجرمين، ومنها غير ذلك، يحكون عن حياتهم، وأعمالهم، وجرائمهم، وأحياناً يذكر أنه عمل كذا، مثل: فلان خان، وارتكب الفاحشة أثناء سرد جريمته، أو سرد جزء من حياته، أو فلان اختلس، وهكذا، فهل علي ذنب أن أشاهد هذه الأفلام؟ وأيضا الكتب التي تتكلم عن شخصيات وتقص حياتهم أو عن مجرمين وتقص جرائمهم وجزء من حياتهم فهل علي ذنب أيضا وأنا أقرأ هذه الكتب؟
الحمد لله.
أولاً:
يجوز مشاهدة الأفلام الوثائقية النافعة، إذا خلت من المحاذير الشرعية، أو كانت المحاذير التي فيها يسيرة يمكن تجاوزها، بتقديم بعض المشاهد أو إسكات صوت الموسيقى، وقد هيأ الله بعض القنوات الفضائية التي نقّت الكثير من الأفلام الوثائقية النافعة من المحاذير الشرعية، فيُكتفى بها وبمثلها، وإن احتاج المرء لمشاهدة غيرها من القنوات، فإنه يحرص على تجاوز ما فيها من مخالفات شرعية.
وهذا فيما إذا لم تغلب المحاذير على مشاهد الفيلم، أو كانت مادة الفيلم مما يروج لاعتقادات منحرفة أو سلوكيات محرمة.
وعلى المسلم أن يتجنب الإدمان عليها، ويحفظ وقته وعمره يما ينفعه بعد موته، ويتمنى الرجوع لعمله إذا غادر هذه الدنيا.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم استماع بعض البرامج المفيدة كأقوال الصحف ونحوها التي تتخللها الموسيقى؟
فأجاب: " لا حرج في استماعها، والاستفادة منها، مع قفل المذياع عند بدء الموسيقى حتى تنتهي؛ لأن الموسيقى من جملة آلات اللهو، يسر الله تركها والعافية من شرّها" انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز" (6/389).
ولمعرفة المزيد من الضوابط الشرعية لمشاهدة هذه الأفلام انظر جواب السؤال رقم: (85232).
ثانياً:
ما يرد في بعض الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن شخصيات، وتذكر ما حصل لها من الخير والشر، ومن ذلك ذكر بعض الفواحش التي فعلوها، فهذا من المجاهرة بالمعاصي التي نهى عنها الشرع، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ ستره الله، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عنه البخاري (5721).
فسماع ذلك على وجه الاختيار، من غير حاجة معتبرة إليه: لا يجوز وفيه تهوين من المعاصي، وتحريك دواعي النفوس إليها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا ارتكب الإنسان ذنباً في أول حياته وقد ستر الله عليه ولم يطلع عليه أحدٌ إلا الله عز وجل وبعد ذلك رزقه الله التوبة وتاب هل يجوز له أن يعلم الناس بذلك الذنب الذي ارتكبه في أول حياته أم لا؟
فأجاب: "لا يجوز لمن ارتكب ذنباً وتاب منه، أن يخبر به غيره؛ لأن هذا من كشف ستر الله عز وجل، وهو خلاف العافية وجاء في الحديث: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) وهم الذين يذنبون فيحدثون بما فعلوه" انتهى.
أما إن كانت هناك حاجة شرعية معتبرة لمشاهدة هذه الأفلام التي تحكي سيرة شخصيات، وتتضمن حكايتهم عن أنفسهم النافع والضار، فلا بأس من مشاهدتها إن أمِن على نفسه من الفتنة، والتطلع إلى الرغبة بمثلها.
ثالثاً:
الروايات المشتملة على محاذير شرعية حكمها حكم ما سبق بيانه في الأفلام الوثاقية، وقد سبق في الموقع فتاوى مفصلة حول حكم كتابة وقراءة الروايات، يحسن الاطلاع عليها.
ينظر: (174829)، (350353)، (72204).
والله أعلم .