الحمد لله.
هذا الخبر أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/77—78)، والبزار في "المسند" (3/101)، وأبو يعلى في "المسند" (1/298) عن مُحَمَّد بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مِطْهَرَتِهِ، فَلَمَّا حَاذَى نِينَوَى وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ، فَنَادَى عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ، اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ، بِشَطِّ الْفُرَاتِ.
قُلْتُ: وَمَاذَا؟
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَغْضَبَكَ أَحَدٌ، مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟
قَالَ: ( بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، فَمَدَّ يَدَهُ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا ).
في إسناده نجي، ولم يرد فيه توثيق معتبر، قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" نجي الحضرمي عن علي: لا يعرف " انتهى من "المغني" (2/695).
وإسناد الحديث ضعفه محققو المسند، والشيخ الألباني في "الصحيحة" (3/159).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" هذا غريب، وله شُوَيْهِد " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3/288).
لكن الشيخ الألباني ذهب إلى تصحيح معناه بشواهده، متبعا للهيثمي، حيث قال رحمه الله تعالى:
" رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا " انتهى. "مجمع الزوائد" (9 / 187).
فساق الشيخ جملة من الشواهد لا تخلو من ضعف، وهي:
ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (21/ 172-173) وغيره: عن عُمَارَة بْن زَاذَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ مَلَكَ الْمَطَرِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: امْلِكِي عَلَيْنَا الْبَابَ، لَا يَدْخُلْ عَلَيْنَا أَحَدٌ، قَالَ: وَجَاءَ الْحُسَيْنُ لِيَدْخُلَ فَمَنَعَتْهُ، فَوَثَبَ، فَدَخَلَ، فَجَعَلَ يَقْعُدُ عَلَى ظَهَرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مَنْكِبِهِ، وَعَلَى عَاتِقِهِ.
قَالَ: فَقَالَ الْمَلَكُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَمَا إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَجَاءَ بِطِينَةٍ حَمْرَاءَ، فَأَخَذَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهَا فِي خِمَارِهَا) قَالَ: قَالَ ثَابِتٌ: بَلَغَنَا أَنَّهَا كَرْبَلَاءُ".
وعمارة عن ثابت إسناد متكلم فيه، فقد ضعفه غير واحد.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" عمارة بن زاذان أبو سلمة الصيدلاني، بصري، يروي عن ثابت.
قال أحمد: يروي عن انس أحاديث مناكير. وقال الرازي: لا يحتج به. وقال الدارقطني: ضعيف " انتهى من "الضعفاء والمتروكين" (2/203).
وروى نحوه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/115)، و(23/289) عن يَحْيَى بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
والحماني ضعيف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" يحيى بن عبد الحميد الحماني، حافظ، منكر الحديث، وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد بن حنبل: كان يكذب جهارا. وقال النسائي: ضعيف " انتهى من"المغني" (2/739).
والمطلب بن عبد الله بن حنطب روايته عن الصحابة مراسيل، وخاصة من تقدمت وفاته فلم يدرك أحدا منهم.
قال العراقي رحمه الله تعالى:
" المطلب بن عبد الله بن حنطب:
قال أبو حاتم: عامة روايته مرسل...
وقال مرة أخرى: عامة حديثه مراسيل، لم يدرك أحدا من الصحابة إلا سهل ابن سعد، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريبا منهم...
قال العلائي: قال البخاري: لا أعرف للمطلب بن حنطب عن أحد من الصحابة سماعا، إلا قوله: " حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ". قال الترمذي: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يعني الدارمي يقول مثله... " انتهى من "تحفة التحصيل" (ص307).
وما رواه الحاكم في "المستدرك" (3/176): عن مُحَمَّد بْن مُصْعَبٍ، حدثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ: " أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ حُلْمًا مُنْكَرًا اللَّيْلَةَ.
قَالَ: (مَا هُوَ؟)
قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ.
قَالَ: (مَا هُوَ؟)
قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حِجْرِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَأَيْتِ خَيْرًا، تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غُلَامًا، فَيَكُونُ فِي حِجْرِكِ) فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ فَكَانَ فِي حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَدَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ، فَإِذَا عَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُهْرِيقَانِ مِنَ الدُّمُوعِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا لَكَ؟
قَالَ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا).
فَقُلْتُ: هَذَا؟
فَقَالَ: (نَعَمْ، وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ)، ثم قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " انتهى.
وتعقّبه الذهبي بقوله:
" بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف " انتهى.
وما رواه الإمام أحمد في "المسند" (44/143): عن وَكِيع، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ وَكِيعٌ، شَكَّ هُوَ يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: (لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ، لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ).
وسعيد والد عبد اللّه، هو سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، كما يتبين من رواية عبد بن حميد كما في "المنتخب" (2/384).
وسعيد لا يعرف له سماع من عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فهو لم يلق من هو أقرب منهما وفاة كأبي هريرة رضي الله عنه.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" سمعت أبي يقول: لم يلق سعيد بن أبي هند أبا موسى الأشعري.
سئل أبو زرعة عن سعيد بن أبي هند عن علي، فقال: مرسل
سمعت أبي يقول: سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة " انتهى من "المراسيل" (ص 75).
وهكذا سائر طرقه لا تخلو من ضعيف أو مجهول أو انقطاع.
ولهذا قال محققو المسند بعد ذكر جملة من شواهده:
" ولا يخلو إسناد واحد من هذه الشواهد من مقال، فالحديث ضعيف " انتهى من تعليقهم على "المسند" (21/173).
لكنهم عادوا في تعليقهم في (44/144) فحسنوه بشواهده.
وقد أورد الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9 /190) عن أبي الطفيل قال: ( استأذن ملك القطر أن يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم سلمة ... ). فساق الهيثمي متنه كمتن حديث ثابت عن أنس الذي سبق ذكره.
ثم قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني، وإسناده حسن".
لكن لم نقف على هذا الحديث عند الطبراني.
فالحاصل:
أن الحديث الذي سألت عنه ضعيف، وما ورد له من شواهد كلها فيها مقال، وتحسينه بمجموع هذه الشواهد فيه نظر؛ لأن المتون مضطربة، فبعضها فيه أن الملك هو ملك القطر، وبعضها فيه جبريل عليه السلام، وبعضهما الملك مبهم، وفي رواية أخبر أن المكان شط الفرات، وفي أخرى الطف، وفي بعضها وصف الأرض بالتربة الحمراء وفي أخرى بيضاء.
ثم اختلف في الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي في بعضها أنه علي، وفي بعضها عائشة، وفي بعضها أم الفضل، وفي بعضها أن الشاهد كانت أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين، فلو سلمنا أن هؤلاء كلهم شهدوا القصة، فبهذا يكون حدثا مشتهرا، فيستغرب أنه لم يرد ولو بسند واحد صحيح عنهم.
والله أعلم.