هل يشترط لدعاء الولد لوالديه أن يكون صالحًا؟

23-11-2022

السؤال 420221

دعاء الولد لوالده بعد موته هل شرطه الصلاح كما نص الحديث، أم أن الدعاء مجاب وإن كان الابن غير صالح، ولكن يدعو لوالده؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

أمر الله تعالى الولد أن يدعو لوالديه، فقال سبحانه وتعالى : (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) ، ولم يشترط صلاح الولد .

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من حق الوالدين على ولدهما بعد موتهما أن يدعو لهما ، ولم يشترط صلاح الولد .

عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ : " بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟

قَالَ : (نَعَمْ ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إِلا بِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) رواه أبو داود (5142) وحسنه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/307) وصححه الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (9/295) .

قال صاحب "عون المعبود" (14/36):

" (الصلاة عليهما) أي : الدعاء ، ومنه صلاة الجنازة ، قاله القاري ، وفي فتح الودود : والمراد بها الترحم " انتهى.

بل كل مؤمن يطلب منه أن يدعو للمؤمنين جميعا ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10 .

قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) :

"والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه ، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم ، فيصير هِجِّيراه : ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات ، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة ، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به" انتهى .

ثانيا :

أما قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .

فليس ذلك لأن غير الصالح لا يطلب منه الدعاء لهما ، ولا لأن غير الصالح لن يقبل دعاؤه .

وإنما قيد النبي صلى الله عليه وسلم الولد بـ "الصالح" لسببين:

الأول : أن الغالب أن الذي يدعو لوالديه هو الولد الصالح ، أما غير الصالح فلا يهتم بذلك .

الثاني : أن دعوة الولد الصالح أقرب إلى القبول.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

"وأنت أيها السائل على خير إن شاء الله في إحسانك إلى والديك بالصدقة عنهما والدعاء لهما , ولا سيما إذا كان الولد صالحا , فهو أقرب إلى إجابة الدعاء , لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أو ولد صالح يدعو له) لأن الولد الصالح أقرب إلى أن يجاب من الولد الفاجر , وإن كان الدعاء مطلوبا من الجميع للوالدين , ولكن إذا كان الولد صالحا صار أقرب في إجابة دعوته لوالديه" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (4/349).

وقال الشيخ عطية سالم في شرح بلوغ المرام :

"قوله: (ولد صالح) لتقرير الحال والأولوية، وإلا فكل مسلم يدعو لأي مسلم فإن دعاءه نافع له" انتهى .

وقد فسَّر بعض العلماء "الصالح" في الحديث السابق بـ "المسلم" .

قال الصنعاني رحمه الله في "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/224):

"فسروا قوله صلى الله عليه وسلم : (أو ولد صالح يدعو له) أن المراد به المسلم" انتهى.

والحاصل : أن الولد مأمور بأن يدعو لوالديه ، وهذا الدعاء مرجو الإجابة ، لأن الله تعالى أمرنا بدعائه ووعدنا بالإجابة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186.

والله أعلم .

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب