الحمد لله.
أولًا:
أبو عبيدة، عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي.
لم يختلفوا في شهوده بدرًا، والحديبية، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وكان أبو عبيدة يدعى في الصحابة: القوي الأمين.
وكانت سن أبي عبيدة يوم توفى ثمانيًا وخمسين سنة.
"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (2/ 792-795).
وانظر ترجمته في "أسد الغابة في معرفة الصحابة" (3/24)، "سير أعلام النبلاء" (1/5).
ومن مواقفه رضي الله عنه، ما رواه "مسلم" (1935) عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
" بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً.
قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟
قَالَ: نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ، فَنَأْكُلُهُ.
قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: لَا؛ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ؛ فَكُلُوا.
قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا، وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ حَتَّى سَمِنَّا.
قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ، أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ، فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا.
وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟)
قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، فَأَكَلَهُ".
وعَنْ هشام بْن عروة، عَنْ أبيه، قال: "قدم عمر بْن الخطاب الشام فتلقاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟
قَالُوا: من؟
قال: أَبُو عبيدة.
قَالُوا: يأتيك الآن، قال: فجاء عَلَى ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه وسأله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله،
فقال عمر: لو اتخذت متاعًا؟ أو قال شيئًا.
قال أَبُو عبيدة: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المَقِيل".
انتهى من "أسد الغابة في معرفة الصحابة" (3/25).
وقد اتفقوا على أنه مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة، رضي الله عنه.
"الإصابة في تمييز الصحابة" (3/478).
ثانيًا:
جاء وصف أبي عبيدة رضي الله عنه بالأمانة من قول أهل نجران للنبي صلى الله عليه وسلم: (ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا).
فَقَالَ: (لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ).
فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ)، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ).
رواه البخاري (3745)، (4380)، ومسلم (2420).
وننبه على أمور:
الأول: ثبوت هذا اللقب لأبي عبيدة رضي الله عنه، لا يعني انتفاءَه عن غيره.:
قال الطحاوي: "فَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: (حَقَّ أَمِينٍ): إثْبَاتَهُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ دُونَهُ فِيهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا"، انتهى من "شرح مشكل الآثار" (6/321).
الثاني: تخصيص أبي عبيدة رضي الله عنه بصفة الأمانة: يقتضي أن تلك الصفة كانت غالبة عليه.
قال القاضي: "وتسميته أمينًا، وحق الأمانة الثقة بالشيء، ومنه ناقة أمون: أي وثيقة الخَلْق، قد أمنت، وإن كانت الأمانة من صفات غيره من الصحابة، والنبي عليه الصلاة والسلام خص بعضهم بصفات كانت الغالب عليهم، وكانوا بها أخص من غيرهم".
انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/431).
قال "القسطلاني": "وهذه الصفة، وإن كانت مشتركة بين أبي عبيدة وغيره من الصحابة، إذ كلٌّ أمينٌ بلا ريب؛ لكن السياق مشعر بأن له مزيدًا في ذلك، فإذا خص صلى الله عليه وسلم أحدًا من أجلاء الصحابة بفضيلة وصفه بها؛ أشعر بقدر زائد في ذلك على غيره كوصفه عثمان رضي الله تعالى عنه بالحياء"، انتهى من "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (6/132).
والله أعلم.