باع صديق لي قبل توبته كتب سحر وشعوذة، كانت تستخدم في التفتيش عن الآثار والكنوز، وكان المبلغ الذي قبضه من هذه الصفقة كبيرا جدا، فأراد أن يتخلص منه بصرفه في وجوه البر، وسبل الخير، وبطون الفقراء والمساكين، لكن أشار عليه بعض محبيه أن يتنازل عن المال لتاجر أمين معروف بتقواه؛ يستثمره مع أمواله، ويكون ريع هذا المال وأرباحه للفقراء، وسبل الخير والبر، وبذلك تكون الفائدة أعم، وأدوم، ويكون التاجر مفوضا في هذا، وتنقطع علاقة رب المال المحرم بالمال وأرباحه نهائيا. فهل يجوز له أن يعطيه لغيره لتشغيله وإخراج أرباحه، أم يجب عليه التخلص منه في أسرع وقت ممكن؟
الحمد لله.
أولا:
يحرم بيع كتب السحر والشعوذة، ولا يصح.
قال في "مطالب أولي النهى" (4/483): "ولا تصح الوصية لكتابة كتب سحر وتعزيم وتنجيم، ونحو ذلك من الكتب المحرمة؛ لأنها إعانة على المعصية" انتهى.
والمال المكتسب من ذلك مال حرام، يلزم التخلص منه، وذلك بإعطائه الفقراء والمساكين، أو صرفه في المصالح عامة، إلا إذا كان الإنسان جاهلا بالتحريم؛ فلا حرج عليه أن ينتفع بالمال. أو كان محتاجا، فله أن يأخذ منه قدر حاجته.
ويجوز أن يعطى الفقير منه، سواء كان كاسبه، أو غيره : ما يكون رأس مال يتجر فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (29/308):
" فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار وكانوا فقراء ، جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم: (103918)، (219679 )
ثانيا:
الواجب هو التخلص من المال الحرام وإزالة اليد عنه فورا.
قال في "الفروع" (4/398): "والواجب في المال الحرام: التوبة، وإخراجه على الفور، بدفعه إلى صاحبه، أو وارثه، فإن لم يعرفه أو عجز دفعه إلى الحاكم" انتهى.
لكن إن كان قد عاوض صاحب المال معاوضة محرمة، واستوفى الآخر منفعته؛ فإنه لا يرد إليه ذلك المال الذي دفعه، في مقابل المنفعة المحرمة، لئلا يجتمع له العوض والمعوض؛ بل ينفقه في وجوه الخير والبر.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (126045).
ولا يظهر مانع من استثمار هذا المال لصالح الفقراء إذا خرج من يد مكتسبه، ولم يعد له سلطان عليه، ولم يرجع إليه المال مرة أخرى، إلا في حال احتياجه؛ فيكون كغيره من الفقراء والمحتاجين في انتفاعهم بهذا المال.
وقد سبق أنه يجوز أن يعطى الفقير من هذا المال ما يكون رأس مال لتجارته.
والله أعلم.