الحمد لله.
سجود الشكر قد ثبتت مشروعيته بجملة من الأخبار.
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (4 / 594): عن البَراءِ قال: ( بَعَثَ النبىُّ صلى اللَّه عليه وسلم خالِدَ بنَ الوَليدِ إلى أهلِ اليَمَنِ يَدعوهُم إلى الإِسلامِ فلَم يُجيبوه، ثم إنَّ النبىَّ صلى اللَّه عليه وسلم بَعَثَ عَلِىَّ بنَ أبى طالِبٍ، وأَمَرَه أن يُقفِلَ خالِدًا ومَن كان معه إلا رجلٌ ممَّن كان مَعَ خالِدٍ أحَبَّ أن يُعَقِّب مَعَ علىٍّ رضي اللَّه عنه فليُعَقِّبْ مَعَه. قال البَراءُ: فكُنتُ مِمن عَقَّبَ معه، فلَمّا دَنَونا مِنَ القَومِ خَرَجوا إلَينا، فصَلَّى بنا عَلِىٌّ رضي اللَّه عنه وصَفَّنا صَفًّا واحِدًا، ثم تَقَدَّمَ بَينَ أيدِينا، فقَرأَ عَلَيهِم كِتابَ رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم فأَسلَمَت هَمْدانُ جَميعًا، فكَتَبَ عَلِىُّ -رضي اللَّه عنه- إلى رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإِسلامِهِم، فلَمّا قرأَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الكِتابَ خَرَّ ساجِدًا، ثم رَفَعَ رأسَه فقالَ: "السَّلامُ على هَمْدانَ، السَّلامُ على هَمْدانَ ).
ثم قال البيهقي: " أخرَجَ البخارىُّ صدرَ هذا الحديثِ عن أحمدَ بنِ عثمانَ عن شُرَيحِ بنِ مَسلَمَةَ عن إبراهيمَ بنِ يوسُفَ فلَم يَسُقْه بتَمامِه. وسُجودُ الشُّكرِ فى تَمامِ الحديثِ صَحيحٌ على شَرطِهِ ".
وكذا ما ورد عند البخاري (4418) ومسلم (2769)، في قصة تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه عن غزوة تبوك، وسجوده عند نزول توبته.
وراجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (140804).
وسجود الشكر الذي يجعل ضمن فقرات حفل التخرج، لا يظهر أنه مشروع .
لأن سجود الشكر إنما يكون عقب حصول نعمة أو اندفاع نقمة، فعلى هذا يشرع سجود الشكر عقب علم الطالب بنجاحه وتخرجه، أما تأخيره أياما حتى يكون هذا السجود في جماعة، وفي حفل؛ فهذه هيئة مستحدثة في العبادة فتكون مردودة.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: ( الأعمال بالنيات ) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء " انتهى. "جامع العلوم والحكم" (1 / 176).
فالقصد الحسن وحده لا يكفي مالم يتقيد المتعبد بالهيئة المشروعة.
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (5 / 237 - 238) بسنده، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: " أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ "، وصحح إسناده الألباني في "إرواء الغليل" (2 / 236).
والله أعلم.