هل تصح نسبة كتاب "الإمامة والسياسة" لإبن قتيبة؟

04-03-2023

السؤال 427481

قرأت فتواكم بشأن كتاب الإمامة والسياسة، وأنه لا يصح عن ابن قتيبة، وقدمتم بعض النقاط على صحة ما ذهبتم إليه، ولكن للأسف هذه النقاط مردودة كلها، ولا تثبت أمام الحجج أن هذا الكتاب لابن قتيبه بلا شك، فأول من شك في نسبة الكتاب لابن قتيبة مستشرق إسباني، ولا يوجد قبله من شك في نسبة الكتاب لابن قتيبة، أما قول بأن ابن العربي المالكي شك في نسبة الكتاب، فهذه مجازفة خطيرة، وغير صحيحة ،لأن ابن العربي نفسه أكد على أن الكتاب له، وشنع على ابن قتيبة، ووصفه بالجاهل، فكيف تقولون: إنه شك في نسبته إليه؟ نعم شك ابن العربي بصحة جميع ما روي فيه، ولكن لم يشك في أن الكتاب لابن قتيبة، فأما أكثر نقطة مستشكلة لديكم: لماذا لم يذكر الذين ترجموا لابن قتيبة هذا الكتاب؟ والرد على هذا بسيط: أولا: ليس شرطا أن يذكر المترجم جميع كتب المؤلف، وخاصة مؤلف مثل ابن قتيبة؛ لأن مؤلفاته كثيرة. ثانيا: من قال: إنهم لم يذكروا هذا الكتاب، ويشنعوا على صاحبه، فهذا ابن العربي وصفه بالجاهل، وابن خلدون قال في مقدمته: " هذه قصة حرب الجمل حسب كتاب الطبري، أخذتها منه لسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة"، وابن حجر الهيثمي كذلك شنع على ابن قتيبة فقال: " تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان" لابن حجر الهيثمي ص72، وغيرهم الكثير كأبي الحجاج يوسف البلوي، وعمر بن محمد المكي، وعز الدين بن فهد المكي، وباقي النقاط كلها مردود عليها. ثالثا: مايؤكد أن الكتاب له أسلوبه في ذكر الحقائق، فمن يقرأ له كتاب المعارف مثلا تجده لا يبالي بذكر الحقائق.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قد سبق في الموقع بيان عدم صحة نسبة كتاب " الإمامة والسياسة" وهذا في جواب السؤال رقم: (121685).

ولم نقف على شيء من الحجج التي تقطع بنسبة "كتاب الإمامة والسياسة" إلى أبي محمد ابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري المتوفى سنة 276 هـ.

وأما وجود نسخة للكتاب عليها اسمه فهذا لا يقطع بنسبة الكتاب إليه، فقضية نسبة الكتب إلى غير أصحابها قضية مشهورة، فللتثبت من صحة النسبة ودفع الشكوك يتم اللجوء إلى القرائن.

والقرائن هنا تشكك في نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة.

فهل أشار ابن قتيبة إليه في كتبه؟ وهل نسبه إليه أحد من معاصريه أو من قرب منهم؟ وهل ورد بإسناد صحيح إلى مصنفه؟ فهذه هي الحجج التي تقطع بنسبة الكتاب، وهي غير متوفرة في كتاب "الإمامة والسياسة".

وأعلى ما في هذه النسبة يتمثل في نقل ابن العربي منه وهو قد جاء بعده بقرون، ومثل هذا ليس بحجة في نسبة الكتاب؛ لأن من الواضح أن ابن العربي لم يصله الكتاب بإسناد صحيح، وإنما لقي نسخة منه عليها اسم ابن قتيبة، ويدل لذلك صراحة قوله رحمه الله تعالى:

"فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسما في كتاب "الإمامة والسياسة" إن صح عنه جميع ما فيه" انتهى من "العواصم" (ص 248).

فلو وصل الكتاب إلى ابن العربي بطريقة تقطع بنسبته إلى ابن قتيبة لما قال هذا الكلام، ولما شكك في بعض محتوياته.

وهذه الشكوك قد تكون واهنة لو كان نهج الكتاب يوافق نهج كتب ابن قتيبة وعقيدته، فابن العربي وصفه بالجاهل العاقل، لأنه يعلم بعد عقيدة ابن قتيبة من عقيدة الطاعنين في الصحابة، بينما وصف بعده المسعودي بالمبتدع المحتال، فغاير في وصف الرجلين لاختلاف المعتقد، فكيف ننسب إلى رجل كتابا مخالفا لعقيدته، من غير حجة؟

ثانيا:

ثم من ذكرتهم ممن ينسب الكتاب إلى ابن قتيبة هم من المغاربة المتأخرين، وهذا ما يزيد الشك في نسبة الكتاب، فلِما غاب ذكره عند أهل العلم المتقدمين؟ ولما خلت منه كتب مشاهير المؤرخين من المشارقة وأهل بلده بغداد؟!

ثالثًا:

كون المستشرقين أول من شكك في نسبة الكتاب، ليس فيه ما يستغرب، لأنهم كانوا السابقين إلى طباعة كتب التراث وتحقيق النسخ المطبوعة.

ومن جاء بعدهم من محققي المسلمين لم يتبعوهم في هذا التشكيك تقليدا، وإنما لما ظهر لهم من القرائن الدالة على ضعف هذه النسبة.

رابعًا:

ما ذكرته من تشابه بين كتاب "الإمامة والسياسة" وكتاب "المعارف" لا يظهر لنا وجهه، بل طريقة التصنيف وسرد الأخبار غير متشابهة، وطريقة ذكر الأسانيد موهمة ليست من نهج ابن قتيبة في سرد أسانيد أخباره.

وفي جوابنا السابق في الموقع: قرائن تاريخية وموضوعية كثيرة، تؤكد بطلان نسبة الكتاب لابن قتيبة، رحمه الله، يجدر بالقارئ الكريم أن يعيد النظر فيها، ويتأمها بإنصاف.

والله أعلم.


الخلاصة

الاحالات

التاريخ والسيرة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب