أنا فتاة أبلغ من العمر ١٩ عاما، قبل ٥ سنوات كنت أتمنى أن الله تعالى يرزقني بأخت، ورأيت الدنيا كل باب يغلق فوجهي، كل ما أريد شيئا لا يأتيني، فعلمت أن الله يغلق الأبواب لكي أتوب إليه، وتبت إلى الله تعالى، وحفظت كتاب الله من الناس إلى نوح، وأقرأ البقرة وآل عمران والملك يوميا، أتلوه ليلا نهار، وأحافظ على الصلوات، وما رفعت يدي إلا والله تعالى رزقني بأخت، ودعيت الله تعالى يختار لها اسما بسبب المشاجرة بين أمي وأبي، وأراد الله تعالى أن يسميها تالين، وأخبرت أمي زوجة خالي أني أحفظ القرآن، وبعد فترة أنجبت أمي أختي، وشكرت الله تعالى وسجدت، وبعد شهر أصابني الخوف واكتئاب، وأصبحت أخاف من حفظ القرآن، وكل ما أريد أن أحفظه أؤجل، أو أخاف من الحفظ، ونسيت الأجزاء التي حفظتها إلا السور القصيرة لم أنساها، وحاولت عدة مرات أن أحفظ القرآن، وأصلي الصلوات في وقتها، ولكن لم أستطع أنا أقرأ البقرة يوميا، ولا أتركها، ولكن آل عمران أخاف منها، وإن قرأتها لا أستطيع النوم، وبعدها شغلت القرآن فتعرضت لصدمة نفسية؛ بسبب إن قدمي أصبحت زرقاء، أنا لا أستطيع ترك حفظ كتاب الله، وتعبت بسبب فقداني الأمل أن أحفظه كاملا . هل الله غضب مني لتركي القرآن فجأة ؟ أشعر بضيق في صدري عند قراءة القرآن؟ هل الله يتوب علي في تركي الصلاة وتأخيرها بسبب أرق النوم يجعلني أنام عنها، وأتعب بدون إرادتي؟ هل حافظ القرآن تصيبة العين والحسد وتجعله يترك حفظ كتاب الله عزوجل؟ هناك شيء في نفسي يتكلم أثناء قراتي للبقرة بدون أن يحرك لساني، ويقول: أنا مع الله، اعبدني، وأتجاهله، أنا لا أعلم ماهو؟ هل سورة البقرة تشفع لي يوم القيامة؟
الحمد لله.
أولًا:
اعلمي أختنا الكريمة أن الله عز وجل رحيم بعباده رفيق بهم، وهو لا يحاسب عباده على أمور عجزوا عنها، أو على أمور لا يطيقونها، أو على أمور لم يوجبها عليهم.
والله سبحانه يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا البقرة/286، ويقول سبحانه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا الطلاق/7.
والله سبحانه لم يوجب عليك حفظ القرآن كاملا، وقد حاولت حفظ القرآن، فأمكنك حفظ قدر منه فترة، ثم تعسر عليك بعدها.
ولا يؤاخذك الله على ذلك، إن شاء الله، ولا يؤاخذك الله على ما حصل نسيانه من القرآن بسب العوارض النفسية التي تمرين بها.
كما أن الله سبحانه لا يؤاخذك على صلاة نمتِ عنها بسبب الأرق الذي أُصبت به فرسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى" أخرجه البخاري(681).
ومتى استيقظت وجب عليك أداء هذه الصلاة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" أخرجه البخاري(597).
والحاصل:
أن يفرق العبد بين ما فرط فيه من الطاعات، فهذا تقصير يستوجب منه الاستدارك بالتوبة، إن كان قصر في أداء وجب، والاجتهاد في تعويض ذلك بما أمكنه من أعمال الخير والبر.
وبين ما غلب عليه، أو عجز عنه؛ فهذا في محل العفو من الله الكريم: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ التغابن/16
ثانيًا:
العين حق، والحسد حق، وقد يصاب بذلك كل أحد من المؤمنين، ولا نستطيع أن نجزم هل ما تمرين به نتاج عين أو حسد أم لا، ولا بأس أن تستعيني بالرقية الشرعية، فترقي نفسك، أو يرقيك بعض أهل بيتك، أو تستمعي للرقية الشرعية مسجلة، إن لم يمكنك رقية نفسك، ولم يكن عندك من يرقيك.
ثالثًا:
يظهر في السؤال علامات تدل على أن ما تمرين به ربما كان حالة من القلق الشديد، كما أن قولك في السؤال: "هناك شيء في نفسي يتكلم أثناء قراتي للبقرة بدون أن يحرك لساني، ويقول: أنا مع الله، اعبدني، وأتجاهله، أنا لا أعلم ماهو".
هذا قد يكون نوعًا من الوسواس القهري الذي يقوم بعلاجه الأطباء النفسيون بعون الله؛ لذلك ننصحك أن تطلبي مساعدة طبيبة نفسية، لتنظر في حالتك، فلو كان ما تمرين به هو قلق نفسي ووسواس قهري، فالمساعدة النفسية تعين كثيرًا في التعامل مع هذه الأمور، وهذا من الأخذ بالأسباب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بالحرام رواه أبو داود (3376).
وفي حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى ؟ قال: تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم أخرجه الترمذي (4/383) رقم 1961 وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2930).
والخلاصة:
أنه ليس في حالتك تقصير منك يؤاخذك الله به، فلا يحبطنك الشيطان، ولا يضعفن عزمك في الإقبال على الله، ولا يؤيسنك من رحمته.
ثم عليك الاستعانة بالرقية الشرعية والمساعدة النفسية المتخصصة، يسر الله لك جميع أمرك وعافاك من كل سوء.
والله أعلم.