الحمد لله.
احتج أهل العلم على أن الناس يوم القيامة ينسبون إلى آبائهم، بما رواه البخاري (6177) ومسلم (1735) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ).
وبوب عليه بقوله: " بَابُ مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ ".
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" فتضمن الحديث أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم...
وقال ابن بطال: في هذا الحديث رد لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم سترا على آبائهم.
قلت: هو حديث أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس. وسنده ضعيف جدا.
وأخرج ابن عدي من حديث أنس مثله، وقال: منكر، أورده في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري. قال ابن بطال: والدعاء بالآباء أشد في التعريف، وأبلغ في التمييز.
وفي الحديث: جواز الحكم بظواهر الأمور.
قلت: وهذا يقتضي حمل الآباء على من كان ينسب إليه في الدنيا، لا على ما هو في نفس الأمر، وهو المعتمد " انتهى من "فتح الباري" (10/563).
والظاهر من هذا أنه أمر أغلبي، فمن لم يعرف في الدنيا بأبيه، فيظهر أنه يدعى يوم القيامة بما عرف به في الدنيا، كمن لم يعرف والده، فينسب إلى أمه.
قال ابن رسلان رحمه الله تعالى: (19/43):
" قال ابن دقيق العيد: وإن ثبت أنهم يدعون بأمهاتهم؛ فقد يقال: يخص هذا من العموم. أي: يخص منه أولاد الزنا، فيدعون بأمهاتهم، ويبقى غيرهم على عمومه في أنهم يدعون لآبائهم، واللَّه أعلم " انتهى من "شرح سنن أبي داود" (19/43).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فزعم بعض الناس أنهم يدعون بأمهاتهم.
واحتجوا في ذلك بحديث لا يصح، وهو في "معجم الطبراني" من حديث أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات أحد إخوانكم، فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة! فإنه يسمعه ولا يجيبه، ثم يقول: يا فلان بن فلانة! فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله... ) الحديث. وفيه: ( فقال رجل: يا رسول الله ، فإن لم يَعرف اسم أمه؟ قال : فلينسبه إلى أمه حواء ، يا فلان ابن حواء ).
قالوا: وأيضا فالرجل قد لا يكون نسبه ثابتا من أبيه، كالمنفي باللعان، وولد الزنا، فكيف يدعى بأبيه؟
والجواب: أما الحديث: فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث.
وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه، فإنه يدعى بما يدعى به في الدنيا، فالعبد يدعى في الآخرة بما يدعى به في الدنيا من أب أو أم، والله أعلم " انتهى من "تحفة المودود" (ص 214 – 215).
وبناء على هذا:
فأولاد الزنا ليسوا على صفة واحدة.
فمنهم من تكون أمه ذات زوج، فيولد على فراشه، ولا ينفيه عنه بلعان، فهذا منسوب إلى صاحب الفراش شرعا.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ ) رواه البخاري (2053)، ومسلم (1457).
ومنهم من يولد من أم ليست ذات زوج، فإن استلحقه الزاني ونسبه إليه وعرف به، فالظاهر أنه يدعى به يوم القيامة، لأنه مقام تعريف.
وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى صحة هذه النسبة في الدنيا كما سبق في جواب السؤال رقم: (192131).
وأما من لم يعرف والده: فالظاهر أنه ينادى بنسبته إلى أمه ، لأنه يعرف بنسبته إليها لا إلى والده.
والله أعلم.