أنا فتاة غير متزوجة عمري 23 عاما الحمد لله حافظه لكتاب الله، مشكلتي هي اني لا احب ابي ولا اكرهه لكن لا استطيع ان اعبر عن مشاعري اتجاهه أحاول ان ابره انا اعمل واشتري له بمالي هدايا ثمينة جدا ، لكن أحيانا كثيره اشعر اني لا احبه وانفر منه لأنه ليس حكيم وتصرفاته أحيانا كثيرة تفضحنا وتسبب لنا المشاكل هو رجل طيب ويصلي لكنه غير عاقل او حكيم تصرفاته أحيانا كثيرة هوجاء ،لا يقبل النصيحة ابدا والمشكلة الأخرى انه يحب نفسه ، ونقطه ثالثه انه اقترب من سن السبعين وما زال يعاشر امي، والامر يكون واضح ويتحدث كثيرا عن التجمل والتبعل للزوج وهذا يجعلني اشمئز اعلم أنها فطرة لكن في هذا السن تمنيت لو ان ابي يركز اكثر علي اخرته وليس التبعل هذا يخدش حيائي جدا واشعر ان امي ضحية هي تعمل الي الساعة 2 ظهرا وتأتي لتعمل في المنزل وفي اخر اليوم يطلب منها المعاشرة لأنه لا يعمل فقط يجلس علي الهاتف ، كل هذه الأسباب تجلعني انفر منه ولا احب التحدث معه ، ارد فقط بكلمه واحده نعم او لا. دائما اختبأ عندما اراه كي لا يحدثني اغلق الغرفة اتجنب ان احادثه يمكن ان اقضي أسبوع وفقط كلمته كلمه واحده ، انا اشتري الهدايا كي لا أكون عاقه لكن اعلم ان هذا غير كافي لأنال البر ما رأيكم شيخنا افيدوني ما حكمي !
الحمد لله.
الذي يظهر لنا من خلال قراءة الرسالة، وتفهم مشكلتها: أن هناك أكثر من إشكال، أوصل الأمور إلى هذه المرحلة مع والدك...
أولاً:
ما يقع في قلبك من كراهية بعض تصرفات والدك، ليست مبرراً لهذا السلوك، فهذا مخالف لما أمر الله به من البر والإحسان إلى الوالدين؛ فإن الله سبحانه وتعالى لما أرشد لبر الوالدين ذكر أعلى مراتب البر، وهو الإحسان، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23-24] .
كما أشارت الآية الكريمة إلى أمرين هامين في التعامل الواجب معهما:
الأول: ما يتعلق بلغة الخطاب (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا).
قال الإمام الطبري في تفسير (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ): " يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذّى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب في الأجر صبرك عليه منهما، كما صبرا عليك في صغرك."
(وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) وقل لهما قولا جميلا حسنا، وقال ابن جريج: أحسنَ ما تجد من القول".
الثاني: ما يتعلق بهيئة الجسد (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ).
قال الإمام الطبري في تفسير الآية: "وكن لهما ذليلا، رحمة منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا" انتهى من "تفسير الطبري" (17/ 415).
وهذا أقل ما يجب نحو والدك: القول الكريم، ولين الجانب.
فإذا أردتِ البر الذي تجدين فيه الخير والبركة وسعادة الدارين، فأحسني الحديث معه، وأحسني الجلوس معه، وأدخلي عليه السرور، ولو تكلفا بادئ الأمر، وهذا سيؤثر قطعاً على نفسيته وعلى علاقته بوالدتك وبكم جميعاً، فالأب، حتى وإن سكت؛ إلا أنه – لا شك - يتأثر ويتألم من مثل هذا التعامل.
ثانياً:
بعض تصرفاته التي ذكرت أنك تكرهينها ، ليس فيها ما يدعو إلى ذلك.
والرجل ليس كالمرأة وإن بلغ هذا العمر لا يزال يتطلع إلى المرأة وتبعلها وحسن عشرتها، لا يزال برغباته، وهذا أمر لا يعاب به الرجل قط، إلا أن يتحدث بذلك أمام أبنائه، أو أمام أحد، أو يفشي سره، أو يظهر حاله فيه، فهذا الذي يعاب، لا حقه الطبيعي والشرعي.
وإذا قدر أن المرأة لم تكن كذلك، أو أنك – في سنك الصغيرة هذه – لا تتصورين من الرجل ذلك، أو تستهجنينه؛ فهذا مشكلة في فهمك وتقديرك أنت، لا في والدك. فتأني في ذلك، وراجعي نفسك في اتخاذ الموقف من غير ما سبب يدعو إليها !!
ثالثاً:
أما عدم استطاعتك التعبير عن مشاعرك تجاهه، واختباؤك عنه، فهذا مما يفاقم المشكلة ولا يحلها؛ لأنّ بُعد الأولاد من والدهم وشعوره بالفراغ العاطفي الأبوي، يجعل كل تركيزه على زوجته، وربما اصطنع بعض المشاكل تنفيسا عما يشعر به، كما أنه يكثر من المطالبة بحسن العشرة والقرب من زوجته ليملأ ذلك الفراغ، فلا بد من التفطن لهذا الأمر.
كوني قريبة منه، فقربك منه وإحسانك إليه سيمنحك فرصة كبيرة لترشيد سلوكياته الخاطئة، فالإحسان مفتاح القلوب، وهذا ما مكن يوسف عليه السلام من أن يكون مرجعية لمن كان معه في السجن، حيث عللوا ذلك بقولهم (إنا نراك من المحسنين). هذا المدخل الصحيح لتغيير الآخرين والارتقاء بهم.
رابعاً:
الهدايا التي تقدمينها له تشكرين عليها ولك أجرها، ولكنها لا تكفي، فالجانب العاطفي والحاجات النفسية لكبير السن أكبر من الماديات، لذا جاء التنبيه عليه بالنص إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا.
وللإمام القرطبي كلام نفيس في تفسير الآية يحسن نقله بنصه، حيث قال: " قوله تعالى: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما): خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فأَلزم في هذه الحالة، من مراعاة أحوالهما، أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كَلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر، ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر.
وأيضا فطول المكث للمرء، يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر. وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب فقال:" فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما".
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه" قيل: من يا رسول الله؟ قال:" من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة" انتهى من "تفسير القرطبي" (10/ 241).
خامساً:
الفراغ الذي يعيشه بدون عمل – وهو في سن التقاعد - لابد أن تخرجوه منه بحكمة، وتشغلوه بشيء يستهويه، مناشط اجتماعية، رياضة، صحبة ورفقة في المسجد أو الحي، أو يُنشأ له مشروع صغير -إن أمكن- يقضي فيه وقته ولو لم يكن منه دخل يُذكر، يكفي أن يعدل نفسيته، ويقضي على المشاكل التي يسببها بقاء المتقاعدين في البيوت، وهي مشكلة منتشرة في كل العالم. لهذا تتجه الدول المتقدمة لإشغالهم بمناشط اجتماعية ونحوها.
وختاماً:
أحسني إليه يحسن الله إليك، وستجدين كل خير في العاجل والآجل، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ) الترمذي (1900) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (914).
والله أعلم.