الحمد لله.
وردت روايات في بعض كتب السيرة النبوية أن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - حمل باب خيبر وتترس به .
ففي "الروض الأنف" (7/102) :
قال ابن إسحاق -رحمه الله - : " حدثني عبد الله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح تُرسه من يده ، فتناول رضي الله عنه بابًا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفرٍ سبعة معي أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه " .
وهذا الخبر لا يصح ؛ ففيه انقطاع وجهالة ظاهرة .
قال الحافظ الذهبي: "رواه البكّائي عن ابن إسحاق عن أبي رافع؛ منقطعًا " انتهى من "تاريخ الإسلام" (2/412).
وقال الحافظ ابن كثير : " في هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر " انتهى من "البداية والنهاية" (6/273).
ورواه الحافظ البيهقي والحاكم من طريق مطلب بن زياد عن ليث بن أبي سُليم عن أبي جعفر الباقر عن جابر: أن عليًا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فافتتحوها ، وأنه جُرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلًا .
قال ابن كثير : " وفيه ضعف أيضًا" انتهى من "البداية والنهاية" (6/273).
وقال ابن كثير: "وفي رواية ضعيفة عن جابر بن عبد الله : ثم اجتمع عليه سبعون رجلًا وكان جهدهم ان أعادوا الباب".
وعزا الحافظ في الإصابة هذه الروية لعبد الله بن أحمد بن حنبل، وقال : "وفي سنده حرام بن عثمان، متروك" .
وينظر "الإصابة" (٢/ ٥٠٢).
وقال الذهبي في الميزان (٥/٣٩). عن رواية أبي جعفر عن جابر: "هذا منكر" انتهى.
وقال السخاوي : " حديث: حمل علي بابَ خيبر، أورده ابن إسحاق في السيرة عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأن سبعة هو ثامنهم ، اجتهدوا أن يقلبوه فلم يستطيعوا ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي في الدلائل ، ورواه الحاكم ، وعنه البيهقي في الدلائل من جهة ليث ابن أبي سليم عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عن جابر أن عليا حمل الباب يوم خيبر ، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا .
وليث ضعيف، والراوي عنه شيعي ، وكذا مَنْ دونه ، ولكن لمن دونه متابع ، ذكره البيهقي.
ومن جهة حرام بن عثمان، عن أبي عتيق وابن جابر: أن عليًّا لما انتهى إلى الحصن اجتبذ أحد أبوابه فألقاه بالأرض، فاجتمع عليه بعده منا سبعون رجلا ، فكان جهدهم أن أعادوا الباب ، وعلقه البيهقي مضعفا له .
قلت : بل كلها واهية ، ولذا أنكره بعض العلماء ".
انتهى من "المقاصد الحسنة" (ص312).
وقد أنكر هذه الروايات أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقال : " ولا نزل لعلي ولا لغيره سيف من السماء، ولا مد يده ليعبر الجيش، ولا اهتز سور خيبر لقلع الباب، ولا وقع شيء من شرفاته، وإن خيبر لم تكن مدينة، وإنما كانت حصونا متفرقة، ولهم مزارع، ولكن المروي أنه ما قلع باب الحصن حتى عبره المسلمون، ولا رمي في منجنيق قط.
وعامة هذه المغازي التي تروى عن علي وغيره: قد زادوا فيها أكاذيب كثيرة، مثل ما يكذبون في سيرة عنترة والأبطال.
وجميع الحروب التي حضرها علي ـ رضي الله عنه ـ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة حروب: الجمل وصفين وحرب أهل النهروان " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/493).
وقال الدكتور أكرم العمري: " ووردت عدة روايات تفيد تترّس علي رضي الله عنه بباب عظيم كان عند حصن ناعم ، بعد أن أسقط يهودي ترسه من يده، وكلها روايات ضعيفة، واطّراحها لا ينفي قوة علي وشجاعته، فيكفيه ما ثبت في ذلك وهو كثير" انتهى من "السيرة النبوية الصحيحة" (1/324).
والحاصل:
أن ما اشتهر من أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه اقتلع باب خيبر وتترس به ؛ لا يصح.
والله أعلم.