الحمد لله.
أولا:
يبطل المسح على الخفين بمطلات، منها: إذا وجب عليه الغسل لجنابة ونحوها.
والمرتد، إذا رجع إلى الإسلام: لزمه الغسل في قول جماعة من أهل العلم، وهو مذهب الحنابلة، وعليه فيبطل المسح، ويلزمه الغسل المشتمل على غسل القدمين.
قال في "منار السبيل" (1/39) فيما يوجب الغسل:
" (الرابع إسلام الكافر ولو مرتداً)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم أن يغتسل حين أسلم، رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه" انتهى.
وقال في مبطلات المسح على الخفين (1/ 31):
" (ومتى حصل ما يوجب الغسل) بطل الوضوء؛ لحديث صفوان بن عسال قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه" انتهى.
وقال الشيخ منصور البهوتي، رحمه الله في "نواقض الوضوء":
" (الثامن) المتمم للنواقض: (موجبات الغسل، كالتقاء الختانين، وانتقال المني، وإسلام الكافر) أصليًا كان أو مرتدًا، ولذلك أسقط الردة؛ لأنه إذا عاد إلى الإسلام وجب الغسل، وإذا وجب الغسل وجب الوضوء (و) كـ (غير ذلك) من موجبات الغسل. فموجبات الغسل كلها (توجب الوضوء، غير الموت) فإنه يوجب الغسل، ولا يوجب الوضوء.
(فهذه النواقض) للوضوء (المشتركة) بين الماسح على الخفين، وغيره.
(وأما) النواقض (المخصوصة، كبطلان) طهارة (المسح) على الخفين ونحوهما (بفراغ مدته، وبخلع حائله، و) كـ (غير ذلك) ... (فمذكور في أبوابه)" انتهى، من "كشاف القناع" (1/305).
والمسح على الخفين، فرع عن غسلهما؛ ورخص للابسهما على طهارة ألا يخلع نعليه، نظرا للطهارة التي كان عليها عند لبسهما، فاستصحب حكمها، وخفف عن لابسهما المدة التي جعلها الشرع لذلك. وهذا غير موجود في حال المرتد؛ فإن المرتد قد حبط عمله كله بالردة، فلم يبق له أصل يستصحبه في المسح على الخفين، وبطلت طهارته كلها بردته؛ كما لو خلع خفيه، أو انقضت مدة المسح؛ بل أولى من ذلك.
مسألة؛ قال: (وَالِارْتِدادُ عَنِ الإِسْلَامِ)
وجملةُ ذلك أنَّ الرِّدَّة تَنْقُضُ الوُضُوءَ، وتُبْطِلُ التَّيَمُّمَ. وهذا قولُ الأَوْزَاعِىِّ، وأبِى ثَوْرٍ. وهى الإِتْيَانُ بما يَخْرُجُ به عن الإِسْلامِ؛ إمَّا نُطْقًا، أو اعْتِقادًا، أو شَكًّا يَنْقُلُ عن الإِسلامِ، فمتى عاوَدَ إسْلامَه، ورَجَع إلى دِينِ الحقِّ، فليس له الصَّلاةُ حتى يتَوَضَّأَ، وإن كان مُتَوَضِّئًا قبل رِدَّتِه. وقال أبُو حَنِيفة، ومالِك، والشافِعِىُّ: لا يَبْطُلُ الوُضُوءُ بذلك. وللشَّافِعِىِّ في بُطْلانِ التَّيَمُّمِ به قَوْلان؛ لقَوْلِ اللهِ تَعالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ؛ فشَرَطَ المَوْتَ، ولأنها طَهارةٌ، فلا تَبْطُلُ بالرِّدَّةِ، كالغُسْلِ من الجَنابةِ. ولنا: قولُه تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ؛ والطهارةُ عَمَلٌ، وهى باقيةٌ حُكْمًا، تَبْطُلُ بمُبْطِلاتِها، فيجِبُ أن تَحْبَطَ بالشِّرْكِ، ولأنَّها عبادةٌ يُفْسِدها الحَدَثُ، فأفْسَدَها الشِّرْكُ، كالصلاةِ والتيمُّمِ، ولأن الرِّدَّةَ حَدَثٌ، بدَلِيلِ قَوْلِ ابنِ عَبَّاس: الحَدَثُ حَدَثان؛ حَدَثُ اللِّسانِ، وحَدَثُ الفَرْجِ، وأشَدُّهُما حَدَثُ اللِّسانِ. وإذا أَحْدَثَ لم تُقْبَلْ صَلَاتُه بغيرِ وُضُوءٍ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ أحَدِكم إذا أَحْدَثَ حتى يتَوَضَّأَ". مُتَّفَقٌ عليه.
وما ذَكَرُوه تَمَسُّكٌ بدَلِيلِ الخِطابِ، والمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عليه.
ولأنَّه شَرَطَ المَوْتَ لجمِيعِ المَذْكُورِ في الآية، وهو حُبُوطُ العَمَلِ والخُلُودُ في النارِ.
وأما غُسْلُ الجَنابةِ: فلا يُتَصَوَّرُ فيه الإِبْطالُ، وإنَّما يَجِبُ الغُسْل بسَبَبٍ جَدِيدٍ يُوجِبُه، وهنا يجبُ الغُسْل أيضًا عِنْدَ مَنْ أوْجَبَ عَلَى مَنْ أسْلَمَ الغُسْلَ". انتهى، من "المغني" (1/239).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " خطر لي أن الردة تنقض الوضوء، لأن العبادة من شرط صحتها دوام شرطها استصحابا في سائر الأوقات، وإذا كان كذلك فالنية من شرائط الطهارة على أصلنا، والكافر ليس من أهلها وهو مذهب أحمد". انتهى، من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (3/40).
ثانيا:
من مدح دينا قائما الآن، غير دين الإسلام، كأن قال عن الهندوسية أو النصرانية إنه دين جميل: كفر وارتد، ولو لم يقصد الكفر، إذا كان عالما مختارا؛ لأنه لا يشترط للردة قصد الكفر.
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة / 65 - 66.
وقد اعتذروا وبينوا أنهم قصدوا التسلية ولم يقصدوا الكفر، ولم يكذّبهم الله، بل بين أنهم كفار ولو لم يقصدوا الكفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فبين أنهم كفار بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته" انتهى من "الصارم المسلول" (ص 523).
وقال رحمه الله: "وبالجملة: فمن قال أو فعل ما هو كفر: كَفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا؛ إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله " انتهى من "الصارم المسلول" (ص 184).
ثالثا:
سؤالك: "من سخر من شي من الدين دون قصد، أو ضحك من دون قصد السخرية: هل يكفر؟"
جوابه: أن من سخر من شيء من الدين دون قصد الكفر، كفر؛ لما قدمنا.
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" من استهزأ بدين الإسلام، أو بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كإعفاء اللحية وتقصير الثوب إلى الكعبين، أو إلى نصف الساقين، وهو يعلم ثبوت ذلك - فهو كافر ، ومن سخر من المسلم، واستهزأ به من أجل تمسكه بالإسلام: فهو كافر؛ لقول الله عز وجل: ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /44) .
وأما إن سخر دون قصد السخرية! فإنه لا يكفر، وكذا إن ضحك دون قصد السخرية، فإنه لا يكفر.
والظاهر من سؤالك أنك تعاني من الوسوسة، وإذا كان الأمر كذلك، فإيمانك صحيح لا يضره ما ذكرت؛ لأن الموسوس معذور، لأنه مغلوب على أمره، وليس مختارا في الحقيقة، فتدفعه الوسوسة لقول وفعل ما لا يريد، وكثيرا ما يتوهم الشيء دون أن يقع.
ونصيحتنا لكَ أن تعرض عن الوساوس، ولا تلتفت لها، فالإعراض عن الوساوس من أنفع وأنجع العلاجات، بعد الاستعاذة بالله، منها؛ فقد روى البخاري (3276) ، ومسلم (134) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ ، فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ ، وَلْيَنْتَهِ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قَوْلُهُ : ( مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) أَيْ : عَنْ الِاسْتِرْسَال مَعَهُ فِي ذَلِكَ , بَلْ يَلْجَأ إِلَى اللَّه فِي دَفْعه , وَيَعْلَم أَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد دِينه وَعَقْله بِهَذِهِ الْوَسْوَسَة , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي دَفْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا " .انتهى من " فتح الباري " (6/340).
والله أعلم.