تتمسك بالسنة وتتهم بالتعنت ، وتريد النصيحة
وُلدت مسلمة ، وكنت أجهل كل شيء باستثناء الصلاة ، وبفضل الله فقد استيقظت الآن وأخذت أتصرف وفقا للقرآن والسنة ما أمكنني ذلك ، لكني فقدت جميع صديقاتي الآن ، وهن مسلمات أيضا ؛ فهن غير متمسكات كثيراً بالدين ، ولا يكترثن به كثيرا ، وأنا وزوجي أصبحنا غريبين في بلادنا ، صديقاتي امتنعن عن الاتصال بي وبوالدي ، زوجي وأخواته يناديننا وهابيون ، وكذلك بنت خالي ، وأمي قالت إنها لا تملك الكثير من الوقت وهي لا تأبه طالما أن جميع أبنائها في خير ويصلون ، أغلب الناس يسخرون من حجابي ، والأمر محزن وصعب ، أعني : أني أعيش في جزيرة صغيرة بالمحيط الهندي والجميع مسلمون ودولتي هي " جمهورية المالديف " ، أنا أشعر بالوحدة الشديدة والحزن هنا ، هل تخبرني كيف أتصرف - فأنا أشعر بالوحدة الشديدة وأني بمفردي والوضع مؤلم جدّاً أن يفقد المرء كل أصدقائه السابقين - ؟ .
أرجو أن تقدم لي نصيحة جيدة تتعلق بالكيفية التي أتصرف بها في هذا الوضع ، لقد حاولت كثيراً أن أخبر أهلي أيضا عن السنَّة لكن جميع الأجوبة التي حصلت عليها كانت : لقد فقدت دينك ، أنت وهابية ، إنها الطريقة الوهابية .
وأسأل الله أن يثيبكم جميعا على العمل الذي تقومون به .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك وييسر أمرك ، وأن يعينك على طاعته وحسن عبادته ،
واعلمي أن الغربة التي تعيشينها علامة خير لك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "
بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء " رواه مسلم ( 145 ) ،
ولـ " طوبى " معاني كثيرة ومنها : الخير والكرامة ، وشجرة عظيمة في الجنة ، والفرح
والسرور ، وغيرها كثير ، وكلها أقوال محتملة في تفسيرها .
قال السندي – رحمه الله - :
" غريباً " أي : لقلة أهله ، وأصل " الغريب " : البعيد من الوطن .
" وسيعود غريباً " : قلة من يقوم به ، ويعين عليه ، وإن كان أهله كثيراً .
" للغرباء " القائمين بأمره .
و " طوبي " فُعلى من " الطيب " وتفسر بالجنة ، وبشجرة عظيمة فيها .
وفيه تنبيه على أن نصرة الإسلام والقيام بأمره يصير محتاجاً إلى التغرب عن الأوطان
، والصبر على مشاق الغربة كما كان في أول الأمر .
" شرح سنن ابن ماجه " ( شرح حديث 3986 ) .
ثانياً :
لكِ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فقد جاء قومه بالنور فأبوا إلا
البقاء في ظلمات الكفر والجهل ، واتهموه بأنه ساحر وكاهن ومجنون ، وصبر على دعوتهم
، ولم يملَّ من تكرارها ، ونوَّع بين الدعوة الفردية والجماعية ، والدعوة السرية
والعلنية ، حتى نجح نجاحاً مبهراً ، وهكذا الدعاة بعده دعوا الكفار إلى الإسلام
، ودعوا العصاة إلى الطاعة ، ودعوا المبتدعة إلى السنة ، فلاقى كثيرون ضنكاً وهمّاً
وصعوبة ، فلم يكن ليمنعهم هذا من الاستمرار على الدعوة ، ولولا ذلك ما وصل الإسلام
إلى بلدكم " جزر المالديف " ! .
فاعتبري بهؤلاء القدوات ، وافعلي فعلهم ، واصبري صبرهم ؛ لتنالي رضا الله تعالى ،
وما تسمعينه من لمزٍ ونسبة إلى " الوهابية " قد قاله من كان قبلهم ، ولا يزال
السفهاء يرددونه مع دعاة السنَّة ، وليس ذلك بضارِّهم ولا بمُوقِفهم عن تبليغ دين
الله تعالى .
ثالثاً :
ومع الصبر على هذه الدعوة ننصحك بانتقاء العقلاء من النساء ، ومن أقاربك لتبليغهم
دين الله تعالى ، وتذكيرهم بحقيقة الشرائع الإسلامية ، فإن الناس الذين رضوا
بالانتساب إلى الدين لا يمنعهم سلوك طريق السنَّة ، لكن عندهم موانع تحول دون
وصولهم إلى طريق الحق ؛ من علماء الضلالة ودعاة البدعة ، وفتن الشبهات والشهوات ،
وغير ذلك . وعندنا ـ نحن ـ تقصير في تبليغهم حقيقة الدين ، أو ليس عندنا طرق حكيمة
في هذا التبليغ .
فعليكِ بالرفق والتؤدة والصبر ، وانتقي عقلاء القوم ، وتلطفي في توجيههم وتبليغهم ،
ونوِّعي بين الشريط المسموع ، والمحاضرة المرئية ، والكتاب المقروء ، ولعلك أن تجدي
من النتائج ما تسرين به .
ثالثاً :
احرصي على أن يكون منطلق هذه الدعوة بيتكم ، فابدئي مع زوجك وأبنائك لتنطلقي من هذا
البيت المبارك إلى الناس جميعاً ، وتذكري أن أمَّنا " خديجة بنت خويلد " هي أول من
أسلم من هذه الأمة مطلقاً ، وهي أول من نصر النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ
الرسالة ، ودعت بناتها إلى الإسلام ، فكان بيتها أول البيوت إسلاماً ، ومنه انطلقت
دعوة الخير لتعم أرجاء الأرض ، فكوني مثلها ، واقتدي بفعلها .
وفي جواب رقم ( 9380
) تجدين المزيد من الوصايا والنصائح فنرجو الاطلاع عليها ، وهو مغنٍ عن التكرار ها
هنا .
والله الموفق