أنا طالبة طب وأمي ترفض ان أكوِّن علاقات صداقة بحجة لا ثقة ولا نية صافية في وقتنا الحالي خوفا علي، وأنا صبرت حتى تعرفت بالصدفة على بنت صالحة و طالبة علم شرعي جذبني فيها نهيها عن المنكر في قناة تلجرام دفعتهم، لكن أمي مازالت ترفض و تقول لي لا زيادة عن السلام او الحديث عن امر الدين، كلامها جعلني اتردد في ان أكون على طبيعتي مع البنت و ان أحبها في الله، بين بر أمي و الصحبة الصالحة التي اتخذتها سببا و في الابتعاد عن بعض المعاصي ماذا عساي أفعل ؟
الحمد لله.
أولا:
بداية: نشد على يديك حرصك اتخاذ الرفقة الصالحة التي تعينك على أمور دينك واستقامتك، فقد حثت الشريعة على اتخاذ الرفقة الصالحة، ورغبت فيها؛ إذ إنها من أسباب السير على الاستقامة والثبات على الحق، والصحبة الصالحة من أعظم ما يثبت المسلم على دينه، فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ رواه (البخاري ( 467)،
وقد طلبها موسى عليه السلام وهو نبي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [طه: 29-34].
وانفراد الإنسان بعيدا عن الرفقة الصالحة خطر على دينه، خاصة في مثل أجواء الدراسة المختلطة، وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) رواه أبو داود (547) وحسَّنه الألباني.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ). القاصية: المنفردة عن القطيع البعيدة عنه . رواه أحمد (22029)، وحسَّنه محققو المسند.
قال المناوي – رحمه الله: " "إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم" أي : مُفسد للإنسان ، أي : بإغوائه ، ومُهلك له، كذئب أرسل في قطيع من الغنم ( يأخذ الشاة القاصية ) أي : البعيدة عن صواحباتها ، ... وهو تمثيل ، مثَّل حالة مفارقة الجماعة ، واعتزاله عنهم ، ثم تسلط الشيطان عليه" انتهى من "فيض القدير" (2/ 350).
ومجرَّد مجالسة الصالحين تؤثر في النفس، وترفع همّتها إلى الاقتداء بهم؛ بخلاف جلساء السوء. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليسين، فقال صلى الله عليه وسلم: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) . رواه البخاري ( 1995 ) .
ويقول صلى الله عليه وسلم ـ في رجل أتى لحاجة فوافق حلقة الذكر فجلس معهم، فعمَّه الفضل معهم ـ :(هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) رواه مسلم (2689).
هذا في مجرَّد المجالسة؛ فكيف بالبطانة والصحبة؟! فأثر ونفع الصحبة الصالحة بالغة في الدنيا والآخرة .
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ) أبو داود (4833) وصححه الألباني.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " صحبة الأخيار من أفضل القربات، ومن أعظم أسباب السعادة...، فالواجب على المؤمن أن يجتهد في صحبة الأخيار، ويحذر صحبة الأشرار، ولا تجوز طاعة الوالدين ولا غيرهم في صحبة الأشرار، ولا في ترك صحبة الأخيار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الطاعة في المعروف)؛ وقوله عليه الصلاة والسلام : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) " انتهى من " فتاوى إسلامية" (4/206).
ثانياً:
نهنئك على حرصك على طاعة أمك وبرها، وهذا بلا شك من آكد الواجبات وأعظم القربات التي أمر الله بها وثنى بها على وجوب توحيده وعدم الإشراك به في قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا النساء/36، وقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًاالإسراء 23/24.
وقد تضافرت الأحاديث بتأكيد هذا المعنى فمن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا). قَلتَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) البخاري (504).
ثالثاً:
طاعة الوالدين ليست على إطلاقها، فقد يأمران بمعصية فلا طاعة لهما لقوله صلى الله عليه وسلم (لا طَاعَةَ في المَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ) البخاري (6830).
وقد يأمر الوالدان بما ليس فيه نفع لهما، أو بما فيه ضرر على الأولاد، فهنا الطاعة ليست بواجبة، قال النووي رحمه الله:" فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه باتفاق العلماء" شرح النووي على مسلم"(2/ 87).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: "ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه" انتهى من " الفتاوى الكبرى " ( 5 / 381 ) .
قال ابن مفلح رحمه الله: " كل ما تأكد شرعا: لا يجوز له منع ولده؛ فلا يطيعه فيه" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/ 437).
وقد بوب البخاري على وجوب صلاة الجماعة ثم قال: وقال الحسن إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "إذا ثبت رشد الولد الذي هو صلاح الدين والمال معا، لم يكن للأب منعه من السعي فيما ينفعه دينا أو دنيا، ولا عبرة بريبة يتخيلها الأب، مع العلم بصلاح دين ولده وكمال عقله" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 129).
ومما سبق نعلم أنه لا تجب طاعة أمك في ابتعادك على الرفقة الصالحة، ولكن تعالجين الأمور معها بالحسنى وبالقول اللين الكريم، وبجميل الاعتذار، وذلك بـــ:
والله أعلم