ما حكم قتل النمل الذي في البيت دون التأكد إن كان سيضرني أو لا، كمثال: النمل الذي يوجد في المطبخ من الممكن أن يدخل الطعام، ولكنه لم يدخل به بعد، أو النمل الذي بجانب سريري لم يقرصني بعد. فهل يجوز قتلهم بالسم؟ أو ما هي أفضل طريقة لقتلهم؟ وأيضا ماذا أفعل في النمل لو وجد في الحمام هل لو جاء عليه ماء فهذا أكون قتلتهم؟ ولو وجد النمل على كيس زبالة، هل يجوز رمي كيس الزبالة وبه نمل؟
الحمد لله.
يحرم قتل النمل إلا أن يؤذي؛ لما روى أحمد (3066)، وأبو داود (5267)، وابن ماجه (3224) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ : النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ ، وَالْهُدْهُدُ ، وَالصُّرَدُ " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال المرداوي في "تصحيح الفروع" (5/ 515): " قوله: ولأصحابنا وجهان في نمل ونحوه؛ يعني إذا لم يؤذ، وجزم في المستوعب: يكره من غير أذية, وذكر منها الذباب, والتحريم أظهر للنهي. انتهى.
يعني هل يحرم قتل النمل ونحوه إذا لم يؤذ أم لا؟.
قلت: الصواب التحريم, وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الكبرى, وقدمه في الآداب الكبرى، وقال: وظاهر كلام بعض أصحابنا في محظورات الإحرام أن قتل النمل والنحل والضفدع لا يجوز. وقال ابن عقيل في آخر الفصول: لا يجوز قتل النمل ولا تخريب أجحرتهن ولا قصدهن بما يضرهن, ولا يحل قتل الضفادع, انتهى, وسئل الشيخ تقي الدين هل يجوز إحراق بيوت النمل بالنار؟ فقال يدفع ضرره بغير التحريق... وقال في الآداب بعد أن تكلم على المسألة فصارت الأقوال في قتل ما لا يضره فيه ثلاثة الإباحة والكراهة والتحريم, انتهى.
وعلى كل حال الصحيح التحريم, وقد اختاره ابن عقيل والشيخ الموفق والمصنف وغيرهم, وهو ظاهر كلام الناظم" انتهى.
فإذا لم يؤذك النمل بالقرص أو بإتلاف الطعام ونحوه، لم يجز قتله لا بالماء ولا بغيره.
وإن آذاك جاز قتله بغير الحرق، كاستعمال المبيدات.
وصرح المالكية بأن أذى النمل في المال، أو إتلافه له: من جملة الأذية المبيحة لقتله.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (17/283):
" وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ النَّمْلَ فِي حَالَةِ الأَذِيَّةِ ، فَإِِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ قَتْلُهُ .
وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ ، فَأَجَازُوا قَتْلَ النَّمْلِ بِشَرْطَيْنِ : أَنْ تُؤْذِيَ ، وَأَنْ لا يَقْدِرَ عَلَى تَرْكِهَا .
وَكَرِهُوهُ عِنْدَ الإِذَايَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهَا .
وَمَنَعُوهُ عِنْدَ عَدَمِ الإِذَايَةِ .
وَلا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الإِذَايَةِ فِي الْبَدَنِ أَوِ الْمَالِ" . انتهى.
ولا حرج في رمي كيس القمامة وعليه نمل، فإن هذا ليس قتلا له.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " هذه الحشرات إذا حصل منها الأذى جاز قتلها ، لكن بغير التحريق ، بل بأنواع المبيدات الأخرى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور)، وفي لفظ : (والحية).
فهذه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أذاها ، وأنها فواسق يعني مؤذية ، وأَذِنَ في قتلها ، وهكذا ما أشبهها من الحشرات يقتلن في الحل والحرم إذا وجد منها الأذى ، كالنمل والصراصير والبعوض ونحوها مما يؤذي " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (5/301) .
وسئل الشيخ ابن باز، رحمه الله أيضا عن النمل المتواجد في المنزل بكثرة، هل يجوز قتله؟
فأجاب:
" إذا كان هذا النمل يؤذيهم؛ فلا بأس، أما إذا كان لا يؤذي؛ فلا يقتل، الرسول ﷺ نهى عن قتل النمل إلا إذا كان يؤذي، إذا آذاهم؛ فلا بأس أن يقتلوه بالمبيدات التي تبيده". انتهى، من موقع الشيخ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "عندنا في البيت نمل صغير يؤذينا، ما رأيك فيها؟".
فأجاب:
" النمل وغير النمل إذا آذى ولم يندفع إلا بقتله فليُقتل.
أما إذا لم يكن منه أذية، لا إفساد البناء، ولا إفساد الطعام، ولا تنكيد النوم على الصبيان أو على الإنسان فليتركه.
لكن إذا حصل منه أذية ولم يندفع إلا بالقتل، فله ذلك، ويقتل بسُمِّ (كالفليت) أو غيره ". انتهى، من "الباب المفتوح" (127/15).
وقال الشيخ أيضا:
" الحشرات ونحوها ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم أمر الشرع بقتله فهذا يقتل في الحل والحرم، حتى لو تجده في وسط الكعبة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) والوزغ أيضاً مأمور بقتله...
هذا القسم الأول: ما أمر الشرع بقتله؛ فهذا يقتل في الحل والحرم ولا إشكال.
القسم الثاني: ما نهى عن قتله، فهذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم، مثل: النملة والنحلة والهدهد والصرد؛ هذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم، إلا إذا آذى، فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتل.
القسم الثالث: ما سكت الشرع عنه، كالصراصير والجُعلان والخنفساء وما أشبهه، هذه قال بعض العلماء: إنه يحرم قتلها، وقال بعضهم: إنه يكره، وقال بعضهم: إنه يباح، لكن تركه أولى، وهذا القول الثالث هو الصواب أن قتلها مباح، والدليل: أنه لم ينه عنها -أي: عن قتلها- ولم يؤمر بها -أي: بقتلها- مسكوت عنه.
لكن الأولى ألا تقتل، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى قال: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فدعها تسبح الله عز جل ولا تقتلها، لكن لو قتلتها عليك إثم؟ لا". انتهى، من "لقاء الباب المفتوح" (218/ 7 بترقيم الشاملة آليا).
وإنما منع قتل النمل بالحرق؛ لما روى أحمد (4018) عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَرْنَا بِقَرْيَةِ نَمْلٍ، فَأُحْرِقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وصححه شعيب الأرنؤوط.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ رواه أحمد (16034)، وأبو داود (2673) من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي، وصححه الألباني.
والله أعلم.