الحمد لله.
إذا غش البائع وجعل البقرة تشرب ماء كثيرا، ليزيد وزنها، كأن أطعمها ملحا مثلا، فهذا عمل محرم؛ لما روى مسلم (102) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي).
وللمشتري إذا تبين له الغش فسخ البيع، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم في المصراة، كما روى مسلم (1524) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ).
قال البخاري في صحيحيه: "وَالمُصَرَّاةُ: الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ، فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا، وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ المَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ صَرَّيْتُ المَاءَ إِذَا حَبَسْتَهُ".
قال ابن قدامة في "الكافي" (2/49): "ومن اشترى معيباً أو مصراة أو مدلَّساً يعلم حاله، فلا خيار له، لأنه بذل الثمن فيه راضياً به عوضاً، فأشبه ما لا عيب فيه.
وإن لم يعلم: فله الخيار بين رده وأخذ الثمن؛ لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له، فثبت له الرجوع بالثمن، كما في المصراة - وبين إمساكه المعيب وأخذ أرشه؛ لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله، كما لو تلف في يده.
ومعنى الأرش: أن ينظر بين قيمته سليماً ومعيباً فيؤخذ قدره من الثمن. فإذا نقصه العيب عُشر قيمته، فأرشه عشر ثمنه؛ لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت" انتهى.
وقال في "منار السبيل" (1/319): " وكل تدليس يختلف به الثمن، يثبت خيار الرد قياساً على التصرية، قاله في الكافي" انتهى.
ثانيا:
إذا اختار المشتري الفسخ ورد السلعة، فالمذهب عند الحنابلة وغيرهم ـ كالشافعية - : أن مؤنة الرد عليه؛ لأن الفسخ يقع قهرا على البائع.
قال في "كشاف القناع" (3/ 218): " فصل فيمن اشترى معيبا لم يَعلم حال العقد (عيبه ثم علم بعيبه) فله الخيار، سواء علم (البائع) بعيبه (فكتمه) عن المشتري، (أو لم يعلم) البائع بعينه ... (خُيّر) المشتري (بين رده) استدراكا لما فاته، وإزالة لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ناقصا عن حقه (وعليه) أي المشتري إذا اختار الرد (مؤنة رده) إلى البائع لحديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (3/249): " (ومؤنة رد المبيع بعد الإقالة لا تلزم المشتري) بخلاف الفسخ لعيب فتلزمه مؤنة الرد؛ لأنه فسخ بالعيب قهرا على البائع، بخلاف الإقالة فالفسخ منهما بتراضيهما" انتهى.
وقال النووي، رحمه الله: " مُؤْنَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ، ضَمِنَهُ" انتهى، من "روضة الطالبين" (3/499).
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن دلس البائع كانت مؤنة الرد عليه ، معاملة له بنفيض قصده، ولأنه هو السبب في هذه الغرامة .
وهذا القول هو الأقرب.
قال في "مطالب أولي النهى" (3/112): " (ويتجه: لا) يلزم المشتري مؤنة الرد، (إن دلس بائعٌ) المبيع؛ لأنه غره بتدليسه، وحينئذ إذا غرم المشتري مؤنة الرد، فقرار ضمانها على البائع، لتغريره وهو متجه" انتهى.
وعلى هذا القول، فإن تكلفة النقل في حال رد البقرة تكون على البائع، وهو قول وجيه ظاهر.
والله أعلم.