الحمد لله.
أولا:
طواف الإفاضة لا آخر لوقته، لكن أوجب المالكية دما إذا أخره عن ذي الحجة، وأوجب الحنفية الدم لو أخره عن أيام النحر، ولا شيء في تأخيره عند الشافعية والحنابلة.
قال ابن قدامة رحمه الله : "والصحيح أن آخر وقته غير محدود؛ فإنه متى أتى به صح بغير خلاف، وإنما الخلاف في وجوب الدم " انتهى من "المغني" (3/391).
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (17/52): " وأما آخر وقت طواف الفرض فليس لآخره حد معين لأدائه فرضا، بل جميع الأيام والليالي وقته إجماعا.
لكن الإمام أبا حنيفة أوجب أداءه في أيام النحر، فلو أخره حتى أداه بعدها صح، ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها. وهو المفتى به في المذهب.
والمشهور عند المالكية أنه لا يلزمه بالتأخير شيء، إلا بخروج ذي الحجة، فإذا خرج لزمه دم.
وذهب الصاحبان، والشافعية، والحنابلة، إلى أنه لا يلزمه شيء بالتأخير أبدا" انتهى .
وقد ذكرتَ أنك أتيت بالطواف في آخر يوم من ذي الحجة، فلا شيء عليك في قول الجمهور.
ثانيا:
لا آخر لوقت السعي، لكن قال الحنفية: يلزمه دم إذا أخره وكان قد رجع إلى بلده، فإن بقي بمكة وأخره فلا شيء عليه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (25/17): " وقال الحنفية: إذا تأخر السعي عن وقته الأصلي - وهو أيام النحر بعد طواف الزيارة - : فإن كان لم يرجع إلى أهله، فإنه يسعى ولا شيء عليه، لأنه أتى بما وجب عليه، ولا يلزمه بالتأخير شيء؛ لأنه فعله في وقته الأصلي وهو ما بعد طواف الزيارة. ولا يضره إن كان قد جامع؛ لوقوع التحلل الأكبر عند الحنفية بطواف الزيارة؛ إذ السعي ليس بركن حتى يمنع التحلل، وإذا صار حلالا بالطواف فلا فرق بين أن يسعى قبل الجماع أو بعده.
غير أنه لو كان بمكة: يسعى ولا شيء عليه، لما قلنا، وإن كان رجع إلى أهله فعليه دم لتركه السعي بغير عذر" انتهى.
وعند المالكية يلزمه دم إن أخر السعي عن شهر ذي الحجة.
وينظر: "مواهب الجليل" (3/91).
ولا شيء عليه عند الشافعية والحنابة، كقولهم في الطواف.
ثالثا:
اشترط الفقهاء أن يكون السعي بعد طواف، فإن فُصل بينهما بزمن فلا يضر؛ لأن الموالاة بينهما مستحبة عند الجمهور.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/73) : " وأما الموالاة بين الطواف والسعي: فسنة , فلو فرق بينهما تفريقا قليلا أو كثيرا جاز وصح سعيه" انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/352): " ولا تجب الموالاة بين الطواف والسعي. قال أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح أو إلى العشي. وكان عطاء، والحسن لا يريان بأسا لمن طاف بالبيت أول النهار، أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي. وفعله القاسم، وسعيد بن جبير؛ لأن الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي، ففيما بينه وبين الطواف أولى" انتهى.
وأوجب المالكية اتصال السعي بالطواف، فإن فصل بينهما، وجب أن يعيدهما، وإن أعادهما في محرم وجب عليه دم واحد عن تأخيرهما.
وعلى مذهب المالكية، يلزمك أن تعيد الطواف والسعي؛ لوجود الفصل بينهما، ويلزم دم واحد عن تأخير السعي والطواف إلى محرم.
قال الخرشي في "شرح خليل" (2/335): " قد علمت أن أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فلو أخر طواف الإفاضة وحده، أو مع السعي، أو السعي وحده إلى أن مضت هذه الأشهر ودخل المحرم، فإنه يأتي بالإفاضة في الأولى، وبه مع السعي في الأخيرتين، وعليه هدي واحد في الجميع" انتهى.
وقال العدوي في حاشيته عليه: " . (قوله: أو بالسعي) أي: فقط أي: في الأخيرة إن قرب السعي من الطواف، وإن بعُد الأمر: يعيد طواف الإفاضة لأجل السعي؛ لأن السعي يكون بعد تقدم طواف، ويجب اتصالهما، ولو فعل الطواف قبل غروب آخر يوم من ذي الحجة، وفعل الركعتين بعد الغروب: كان كمن فعلهما معه في الحجة، ولو أوقع السعي عقب الركعتين في الفرض المذكور، فإن سعيه صحيح؛ لاتصاله بطواف الإفاضة. وعليه الدم، لفعل السعي في المحرم" انتهى.
والأقرب في ذلك : هو مذهب الجمهور، والأصل براءة الذمة. وقد سبق الفتوى بذلك في جواب السؤال رقم: (109320).
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " طفت طواف القدوم وطواف الإفاضة بدون سعي، هل يجوز الفصل بين الطواف والسعي بزمن طويل؟
ج: لا حرج في الفصل بين السعي والطواف عند أهل العلم، فلو سعى بعد الطواف بزمن، أو في يوم آخر: فلا بأس بذلك، ولا حرج فيه، ولكن الأفضل أن يتوالى السعي مع الطواف، فإذا طاف لعمرته سعى بعد ذلك من دون فصل، وهكذا في حجه، ولو فصل فلا حرج في ذلك؛ لأن السعي عبادة مستقلة، فإذا فصل بينهما بشيء فلا يضر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (17/342).
والحاصل أنه لا شيء عليك في تأخير السعي إلى شهر محرم، وفي الفصل بين السعي والطواف بزمن كثير، على مذهب الجمهور.
والله أعلم.