الحمد لله.
أولا:
يلزم الوفاء بالعهد مع الله؛ لقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء/34.
وقال تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/ 75 - 77.
قال ابن قدامه رحمه الله في "المغني" (9/401) : " قال أحمد : العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله : (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) .
ويتقرب إلى الله تعالى إذا حلف بالعهد وحنث، ما استطاع، وعائشة أعتقت أربعين رقبة، ثم تبكي حتى تبل خمارها، وتقول: واعهداه" انتهى .
ثانيا:
العهد إن قصد به إلزام النفس بالطاعة، فحكمه حكم النذر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " إذا قال: أعاهد الله أني أحج العام، فهو نذر وعهد ويمين. وإن قال: لا أكلم زيدا، فيمين وعهد، لا نذر، فالأيمان إن تضمنت معنى النذر وهو أن يلتزم لله قربة: لزمه الوفاء بها " انتهى من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (5/144).
وقال في "العقود" ص: 66: "وقد يقول أحدهم: علينا عهد الله وميثاقه، أو يقول: نعاهد الله على هذا، ومنه قوله: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ [الأحزَاب:15]، وهذا نذر. وكذلك قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [التوبة:75]، الآيات - إلى قوله -: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:77]، وكان هذا نذرًا لله، وهو معاهدة لله، ومعاهدة الله من أعظم الأيمان.
فاليمين والمعاهدة ونحو ذلك: ألفاظ متقاربة المعنى، أو متفقة المعنى، فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام: فهذا نذر وعهد، وهو يمين، وإذا قال: أعاهد الله ألا أكلم زيدًا، فهو عهد، لكن ليس نذرًا.
فالأيمان اسم جنس؛ إن تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة: يلزمه الوفاء بها، لكونها نذرًا، وهنا هي عقد لله، وعهد لله، ومعاهدة لله، كالذين ذكرهم الله؛ لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وينعقد – أي: النذر - بالقول ، وليس له صيغة معينة ، بل كل ما دل على الالتزام فهو نذر ، سواء قال : لله علي عهد ، أو لله علي نذر ، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الالتزام ، مثل: لله علي أن أفعل كذا ، وإن لم يقل : نذر ، أو عهد " انتهى من "الشرح الممتع" (15/207) .
وعليه فيلزمك أمران:
1-الوفاء بما عاهدت عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202).
2-إخراج كفارة يمين؛ لأن النذر قد فات وقته.
قال المرداوي في "الإنصاف" (11/140):
"وإن نذر صوم شهر معين، فلم يصمه لغير عذر، فعليه القضاء، وكفارة يمين ـ بلا نزاع ـ
وإن لم يصمه لعذر، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ وفي الكفارة روايتان. والمذهب: أن عليه الكفارة أيضاً، وصححه ابن قدامه وغيره" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيمن " نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني، فنقول له: إن عليك كفارة يمين، لأن نذره تضمن شيئين: تضمن صيام عشرة أيام، وأن تكون في هذا الشهر المعين؛ فلما فاته أن تكون في هذا الشهر المعين، لزمته كفارة اليمين لفوات الصفة، وأما الأيام فقد صامها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/377).
وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام.
والله أعلم.