سمح لابنه بالبناء فوق أرضه مقابل أن يسكن والديه ويعطي شققا لإخوته.

31-01-2024

السؤال 470856

نحن خمس أخوة، أربعة أولاد وبنت، أخي الأكبر رحمه الله تعالى، بنى عمارة مرخصة 5 أدوار في بيت العيلة بالكامل في حياة أبي، ومازال أبي على قيد الحياة، اتفق قبل البناء أنه سوف يبني خمسة أدوار إن استطاع عمدان وسقف، وعلي كل واحد من إخوته الأربعة تقفيل شقته، وكان في كل دور شقتان، ما عدا الأرضي شقة واحدة، وخمسة محلات، على أن يكون له 3 محلات فقط، والمحل الرابع لأمه في حياتها، وبعد وفاتها يكون له، أما المحل الخامس فلأحد إخوته، والدور الارضي للوالدين، وبعد وفاة الوالدين يكون الدور الأرضي له فقط، والدور الثاني شقتان له فقط، والدور الثالث شقتان تكون لأخويه، أ و ب، والدور الرابع لأخويه س، وص، والدور الخامس له فقط، والروف السطح له فقط، أما أختي فليس لها شيء، وقال: إنه سوف يرضيها، ولم يفعل، توقف البناء عند الدور الثالث، ولم يستكمل الرابع، وتم عمل عقود بذلك، كل شقة لها عقد باسم كل أخ، أما الدور الأرضي له عقد خاص، مختصر الكلام أن جميع إخواني متنازلون عن الدور الأرضي بعد وفاة الوالدين لأخي الأكبر فقط، وقد وقع على هذا العقد والدي وثلاثة من إخوتي، أما أخي الرابع وأختي لم يوقعا على ذلك، وفوقع أخي الأكبر بنفسه باسمهم، ثم سافر إلى السعودية، توفيت والدتي وأخي الأكبر على قيد الحياة، وبعد ذلك توفي هو، ومازال والدي على قيد الحياة، ملحوظة: الدور الأرضي والثاني تم تقفيله بواسطة أخي الأكبر؛ لأنهما من نصيبه، أما الثالث تم تقفيله بواسطة إخواني، والدور الرابع تم صب العمدان والسقف، ثم التقفيل على حساب إخوتي، وسكن كل أخ في شقته، وله عقد باسمه، والعقار والرخصة باسم والدي. السؤال هنا: هل هذا التقسيم موافق للشرع أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا بنى الابن في ملك أبيه برضاه، فالأصل أنه يملك ما بناه قائما (أي دون أن يكون للمباني حصة من الأرض)؛ لأن الأرض ملك لصاحبها وهو الأب.

قال شُريح : "من بنى في أرض قوم بإذنهم فله قيمة بنائه" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/494) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/91) .

وقال الماوردي رحمه الله: " قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أعاره بقعة يبني فيها بناء، لم يكن لصاحب البقعة أن يخرجه حتى يعطيه قيمة بنائه قائما يوم يخرجه " انتهى من "الحاوي الكبير" (7/296).

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ، وَمِلْكًا ، وَكَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ كَبِيرٌ ، وَقَدْ هَدَمَ بَعْضَ الْمِلْكِ ، وَأَنْشَأَ ، وَتَزَوَّجَ فِيهِ ، وَرُزِقَ فِيهِ أَوْلَادًا ، وَالْوَرَثَةُ بَطَّالُونَ ، فَلَمَّا طَلَبُوا الْقِسْمَةَ قَصَدَ هَدْمَ الْبِنَاءِ ؟

فَأَجَابَ :" أَمَّا الْعَرْصَةُ [ وهي الأرض الخلاء ] فَحَقُّهُمْ فِيهَا بَاقٍ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ: فَإِنْ كَانَ بَنَاهُ كُلَّهُ مِنْ مَالِهِ دُونَ الْأَوَّلِ فَلَهُ أَخْذُهُ؛ وَلَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَعَادَهُ بِالْإِرْثِ الْأَوَّلِ فَهِيَ لَهُمْ" انتهى "مجموع الفتاوى" (30/50).

ثانيا:

إذا تم الاتفاق على أنه يعطي إخوته شققا مما بنى، على أن يكون له الباقي مع حصته من الأرض، فهذا لا حرج فيه، ويعتبر بيعا للشقق التي أعطاها لهم، مقابل أن يكون له حصص من الأرض لما سيأخذه.

ثالثا:

قد عُلم من السؤال أن الشقة التي يسكن فيها الوالدان، ستعود للأخ الباني، وهذا يعني أنه لم يدفع في مقابل الأرض إلا ما أعطاه لإخوته في الدورين الثالث والرابع إضافة لأحد المحلات، وهذا إذا كان برضى الوالد صاحب الأرض فلا حرج فيه، ما لم يكن في ذلك محاباة له في البيع كما سيأتي.

ولا يشترط هنا رضا الأولاد، بل رضى الوالد صاحب الأرض.

رابعا:

هذه المسألة تتضمن هبة من الوالد ذات شقين: هبة للأكبر ليبني على أرضه، وهبة لإخوته الأربعة ليتملكوا ما أعطاه الأخ لهم.

والواجب في الهبة: العدل بين الأولاد ذكورا وإناثا؛ لما روى البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً ، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟) قَالَ : لَا قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".

وفي رواية للبخاري أيضا (2650): لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ.

فلو كان بإمكان الأولاد جميعا البناء، وجب ألا يسمح لأحدهم فقط بالبناء؛ لأن كل تبرع يجب فيه العدل.

قال في "تحفة المحتاج" (6/ 307): "سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر" انتهى.

1-أما الهبة للأخ الأكبر: فإن كان لا يمكن البقية البناء، وسمح لأخيهم بالبناء مقابل ما سيعطيه لإخوته، فلا حرج، بشرط أن يكون ما سيعطيه يكافئ حصة الأرض التي سيأخذها؛ لأن الأب مطالب ألا يحابي أحد الأبناء في البيع.

2-وأما الهبة لبقية الإخوة: فالأب مطالب بالعدل بين هؤلاء الإخوة ومنهم البنت، وقد ذكرت أن البنت لم تأخذ شيئا، وذكرت أن أحد الإخوة سيأخذ محلا من المحلات.

وعليه؛ فالواجب على الأب أن يعطي للبنت نصف ما أخذ كل ابن، فإن رضيت بأقل من ذلك فلا حرج، فإن لم يكن عنده ما يعطيها، فليسترد من الأبناء ما يعطيه للبنت، ليحقق العدل.

قال ابن قدامة في "المغني" (6/ 51): " فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر" انتهى.

وكذلك الأمر بالنسبة للمحل، فإما أن يعوض الباقين، أو يسترده ويجعله ملكا له، إلا أن يرضى الأبناء جميعا بترك المحل لمن أخذه.

والواجب على الأولاد جميعا مراعاة بر أبيهم، وصلة رحمهم.

وهذا ما أمكن بيانه بحسب ما تتسع له الفتوى.

وينبغي عليكم أن تحكموا بينكم من أهل الثقة والأمانة والمعرفة بالحكم الشرعي، من يمكنه أن يفصل بينكم، ويوضح ما في القضية من تداخل، بعد أن تجعلوا نصب أعينكم أصلين عظيمين:

الأول: الحرص على الصلة بينكم، ولا أقرب من صلة الإخوة ليؤمروا برعاية، وحفظ حرمتها.

الثاني: ألا يستأثر أحد منكم على أخيه بهبة ولا عطية، بل تقتسموا الحقوق بينكم على السوية، للذكر مثل حظ الأنثيين. وما أنفقه أخوكم، فإنه يعود إليه. وإن تراضيتم على شيء بينكم، عن طيب نفس، ما كان هذا الشيء: فالحق لكم.

والله أعلم.

معاملات
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب