هل يجوز لي أن أطلب الطلاق أو الخلع قبل الدخول؛ بسبب أن الزوج يماطل في موعد الزفاف، ففي أول يوم جاءوو لخطبتي قالوا: إن العرس سيكون بعد ثلاثة أشهر، وعلى هذا الأساس قبلت أن أعقد العقد المدني، ثم العقد الشرعي، ثم أجل هو الزفاف إلى ثلاثة أشهر أخرى، وأنا كنت جهزت نفسي، واشتريت كل ما يلزمني، ثم زاد الأجل إلى بعد أربعة أشهر متعذرا بأن عليه ديونا، وأنا لم أكن أرى هذا سببا مقنعا، ثم عند قروب الموعد أجل شهرين آخرين من دون تقديم عذر، ثم عند اقتراب الموعد توفيت جدته، وأراد أن يؤجل، لكن والدته رفضت فعلى هذا الأساس جهزت نفسي للزفاف، ولكنه أجل الزفاف شهرين ونصف دون أن يعلمني، أو يعلم أهلي، فقد عرفنا بالصدفة من أمه، وعند اقتراب الموعد في هذه المرة اتصل به أهلي ليحددو موعدا للزفاف، فصار يتهرب من الكلام معهم، كأنه يريد التأجيل، وطول هذه الفترة من عقد القران إلى اليوم لا يتصل بي، ولا يسأل عن حالي أبدا، ولم أعد أحتمل لامبالاته، وأشعر أنه يحتقرني وأهلي، فكرهته، ولا أرغب فيه، وأخشى إن تزوجته أن يعاملني باحتقار وذل، وأنا لا أستطيع تحمل هذا، وقد يقع مني ما لا يرضي ربي، كنت لأقبل بالفقير او المريض الذي يصدقني الكلام، لكني لا أستطيع أن أقبل بمن يحتقرني وأهلي، فهل يلحقني إثم، وأكون من المنافقات، أو ممن لا يجدن رائحة الجنة إن أنا طلبت الطلاق أو الخلع؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز طلب الطلاق أو الخلع إلا لعذر يبيح ذلك؛ لما روى أحمد (22440)، وأبو داود (2226)، والترمذي (1187)، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان كما ذكر الحافظ في الفتح (9/ 403)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
قال في عون المعبود (6/ 220): " أي : لغير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة، وما زائدة للتأكيد" انتهى.
وروى النسائي (3461)، والترمذي (1186) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ) وصححه الألباني.
قال المناوي في "فيض القدير" (2/387): " (المختلعات) أي : اللاتي يطلبن من أزواجهن الخلع، ويبذلن لأجله المال بلا عذر، (والمتنزعات) أي : الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق، يقال: نزع الشيء من يده جذبه" انتهى.
ثانيا:
يباح للزوج أو الزوجة طلب تأجيل الزفاف إلى المدة التي جرى بها العرف، ويلزمه تسلم زوجته والنفقة عليها إذا بذلت نفسها ومضت المدة، أو زادت عن العرف.
قال في "كشاف القناع" (5/ 186): " (ويلزمه) أي: الزوج (تسلّمها) أي: تسلّم زوجته (إن بذلته) فتلزمه النفقة، تَسَلَّمها أم لا؛ لوجود التمكين ...
(وإن) طلب الزوج زوجته، و (سألت الإنظار، أُنظرت مدّةً جرت العادة بإصلاح أمرها فيها، كاليومين والثلاثة) لأن ذلك من حاجتها، فإذا مُنع منه كان تعسيرًا، فوجب إمهالها طلبًا لليسر والسهولة.
والمرجع في ذلك إلى العُرف بين الناس؛ لأنه لا تقدير فيه، فرجب الرجوع فيه إلى العادة.
و (لا) تُمْهل (لعمل جَهاز). وفي "الغنية": إن استمهلتْ هي أو أهلها، استُحِبَّ له إجابتُهم ما يعلم به التهيؤ، من شراء جهاز وتزيُّن.
(وكذا لو سأل هو) أي: الزوج (الإنظارَ) فَيُنْظَر ما جرت به العادة؛ لما تقدم" انتهى.
ثالثا:
الذي يظهر لنا أن ما ذكرت من التأجيل والتسويف والإهمال يعتبر عذرا لك في طلب الطلاق، أو الخلع، وذلك أن كثرة التأجيل مع عدم العذر الملجيء لذلك، ومع عدم الاعتذار، يدل على عدم الرغبة، أو عدم الجدية في إتمام الزواج وتحمل تبعاته، ويوجب الأذى، وإدخال الغم على المرأة وأهلها، فلا خير لك في الاستمرار في نكاح هذا أوله.
والظاهر أن الزوج يريد الفراق لكن يضنّ بنصف المهر، أو بالمهر كله لو كان قد حدث خلوة، فينتظر من الزوجة طلب الخلع، أو الطلاق على عوض.
والذي ننصحك به أن تفارقيه، ولو بالخلع والتنازل عن المهر، ولعل الله أن يرزقك خيرا منه ويخلف عليك خيرا.
وإذا طلبت الطلاق، وكان يريدك حقا، فسيُظهر ذلك، ويحرص على إتمام الزواج، ويبدي عذرا مقبولا، فإن حصل ذلك، فأعيدي النظر، واستخيري واستشيري.
ونسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشدا.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (175624).
والله أعلم.