الحمد لله.
أولا:
يجوز للمصنع أن يتفق مع الزبون على تركيب الرخام، وأن تركيب المتر ب 12 دينارا، ثم يستأجر المصنع من يقوم بذلك على أن يكون تركيب المتر ب 10 دينار، ويربح الفرق.
وهذه إجارة من الباطن، ولا حرج في ذلك ما لم يشترط الزبون على المصنع أن يعمل ذلك بنفسه، أي بعمّاله الخاصين به.
وتبقى العلاقة والمسئولية بين الزبون والمصنع، فإذا حصل خلل أو عيب: عاد الزبون على المصنع؛ لأن المصنع هو الأجير أو الصانع بالنسبة للزبون، وللمصنع أن يعود على من استأجره من الباطن.
قال الغَزالي: "لا يتعين على العامل المعيَّنِ العملُ بنفسه، فلو قال لشخص معين: إن رددت عبدي الآبق فلك كذا: لم يتعين عليه بنفسه، بل له الاستعانة بغيره، فإذا حصَل العملُ استحق الأجرة" انتهى من "مغني المحتاج" (2/558).
وقال في "كشاف القناع" (3/566): " (وإذا تقبّل) الأجير (عملا في ذمته بأجرة، كخياطة أو غيرها، فلا بأس أن يُقَبّله غيره بأقل منها)؛ أي أجرته ...؛ لأنه إذا جاز أن يُقبّله بمثل الأجر الأول، أو أكثر، جاز بدونه؛ كالبيع، وكإجارة العين " انتهى.
وقال في (4/30): " (ومن استؤجر لعمل شيء في الذمة ولم يُشترط عليه مباشرته، فمرض، وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله)، ليخرج من الحق الواجب في ذمته.
(والأجرة عليه)؛ أي على المريض؛ لأنها في مقابلة ما وجب عليه، ولا يلزم المستأجرَ إنظارُه؛ لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل؛ (إلا فيما يختلف فيه القصد، كنسخ، فإنه يختلف باختلاف الخطوط، ولا يلزم المستأجر قبوله) أي قبول عمل غيره لأن الغرض لا يحصل به ...
(وإن شرط) المستأجر (عليه) أي على الأجير (مباشرته فلا استنابة إذن) لوجود الشرط" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو أن الإنسان استؤجر على عمل في الذمة، بأن قيل له: نريد أن تنظف هذا البيت كل يوم ولك في الشهر مائة ريال، فاستأجر من ينظف البيت كل يوم على حسب ما حصل عليه العقد، لكن بخمسين ريالا، يجوز؛ لأن هذا من جنس ما إذا قلنا: إنه يجوز أن يؤجر بقية مدته بأكثر من الأجرة، وعلى هذا عمل الناس اليوم، تجد الدولة مثلا ـتتفق مع شركة على تنظيف المساجد، كل مسجد الشهر بكذا وكذا، ثم إن هذه الشركة تأتي بعمال يقومون بما تم عليه العقد بأقل من ربع ما اتفقت الشركة مع الحكومة عليه.
إلا إذا كان الغرض يختلف بالنسبة للمستأجر، فإذا كان يختلف فهذا لا يجوز، مثل: إنسان استأجرته لينسخ لك "زاد المستقنع" [كتاب في الفقه الحنبلي]، وتعرف أن الرجل خطه جيد، وأن خطأه قليل، فاستأجر إنسانا خطه جميل يخطه بأقل مما أجرته به. يقول العلماء: إنه لا يجوز؛ لأن العبرة بالنسخ وليس بجمال الخط فحسب، ولكن بجمال الخط ووضع الفواصل والعلامات والإملاء ...
المهم على كل حال: ما يختلف فيه الغرض: لا يجوز لأحد أن يقيم مقامه غيره " انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 39).
ثانيا:
إذا كانت المواد من المصنع وممن يركب الرخام، فيجوز للمصنع أن يتفق مع الزبون على المواد وتركيبها، ووقت التسليم، ثم يتعاقد مع آخر على القيام بنفس العمل، بسعر أقل؛ ليربح الفرق، وهذا ما يسمى بالاستصناع الموازي.
وجاء في "المعايير الشرعية" ص 190: "إن الصيغة التي تسمى في العرف المعاصر (الاستصناع الموازي) تتم من خلال إبرام عقدين منفصلين: أحدهما مع العميل تكون فيه المؤسسة المالية الإسلامية صانعاً، والآخر مع الصُنّاع أو المقاولين تكون فيه المؤسسة مستصنِعاً، ويتحقق الربح عن طريق اختلاف الثمن في العقدين، والغالب أن يكون أحدهما حالا (وهو الذي مع الصُنّاع أو المقاولين)، والثاني مؤجلا (وهو الذي مع العميل) " انتهى.
وجاء فيها ص 182:
"7 - ... الاستصناع الموازي:
7/ 2 ... يجوز أن تجري المؤسسة بصفتها صانعاً عقد استصناع مع عميل بثمن مؤجل، وتتعاقد مع صانع أو مقاول للشراء منه بالاستصناع الموازي لمصنوعات أو مبان بنفس المواصفات بثمن حال، بشرط عدم الربط بين العقدين.
7/ 3 ... يجب أن تتحمل المؤسسة نتيجة إبرامها عقد استصناع بصفتها صانعاً، تبعات المالك، ونفقات الصيانة، والتأمين، قبل التسليم إلى المستصنِع (العميل)، ولا يحق لها أن تحول التزاماتها مع العميل إلى الصانع في عقد الاستصناع الموازي.
7/ 4 ... لا يجوز الربط بين عقد الاستصناع وعقد الاستصناع الموازي، ولا يجوز التحلل من التسليم في أحدهما إذا لم يقع التسليم في الآخر، وكذلك التأخير أو الزيادة في التكاليف، ولا مانع من اشتراط المؤسسة على الصانع، في الاستصناع الموازي، شروطاً (بما فيها الشرط الجزائي) مماثلة للشروط التي التزمت بها مع العميل في الاستصناع الأول، أو مختلفة عنها" انتهى.
وجاء فيها ص 189:
"مستند جواز إبرام المؤسسة بصفتها مسستنصعا عقد استصناع موازٍ مع طرف آخر بنفس مواصفات ما اشترته: هو أنه عبارة عن صفقتي استصناع لا يوجد ربط بينهما، فلا يفضي إلى بيعتين في بيعة المنهي عنه، والذي يمنع كذلك من تحول الاستصناع الموازي إلى إقراض ربوي" انتهى.
ثالثا:
يجوز للمصنع أن يدل الزبون عليك، ويأخذ منك عمولة على ذلك، مبلغا مقطوعا أو نسبة، وهذا من باب السمسرة، وتكون العلاقة حينئذ بينك وبين الزبون، لا بين الزبون والمصنع.
ففي هذه الصورة يتفق المصنع معك أنه إذا أتى لك بزبون أخذ 10% من الأجرة.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ: وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " انتهى.
والحاصل:
أن للمصنع أن يتقبل العمل، ويستأجر من الباطن من يقوم به، ويربح الفرق، أو أن يعمل بالاستصناع الموازي، أو أن يأخذ عمولة مقابل دلالة الزبون على من يقوم بالعمل.
والله أعلم.