أخذ الأب من ابنه مبلغا من المال ثم توفي، فهل يسدد من الميراث؟

22-01-2024

السؤال 490195

الوالد رحمه الله تعالى أخذ مبلغا من ابنه من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لغرض إكمال بناء البيت الذي يسكن فيه الابن إلى الآن هو وأبنائه. سؤالي: هل يلزم علينا نحن إخوته سداد المبلغ من مبلغ ورثناه إبراء لذمة الوالد؟ أو لا شئ على الوالد، ويسقط المبلغ مقابل سكنه في البيت؟ علما بأن الوالد قال: سأرجع المبلغ، ولكن توفي قبل أن يرجعه رحمه الله تعالى؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا كان البيت ملكا للوالد، كما هو ظاهر السؤال، وإنما أسكن الابن المذكور فيه، مراعاة لحالته الخاصة: فلا يظهر في ذلك حرج عليه.

وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على أن الأب له أن يخص بعض أولاده بالعطية إذا كان لسبب .

قال ابن قدامة في أحكام الوقف من "المغني" (8/206):

فَإِنْ خَالَفَ فخَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ ، فَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ : إِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْأَثَرَةِ ، فَأَكْرَهُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَهُ عِيَالٌ، وَبِهِ حَاجَةٌ ؛ يَعْنِي: فَلَا بَأْسَ بِهِ .

وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ الزُّبَيْرَ خَصَّ الْمَرْدُودَةَ مِنْ بَنَاتِهِ، دُونَ الْمُسْتَغْنِيَةِ مِنْهُنَّ: بِصَدَقَتِهِ .

وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ : لَوْ خَصَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَوْلَادِهِ بِوَقْفِهِ ، تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ ، أَوْ ذَا الدِّينِ دُونَ الْفُسَّاقِ ، أَوْ الْمَرِيضَ ، أَوْ مَنْ لَهُ فَضْلٌ مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِ : فَلَا بَأْسَ .

وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحَلَ عَائِشَةَ جَذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا ، دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ .

وَحَدِيثُ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَتَبَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ ، أَنَّ ثَمْغًا وَصِرْمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ ، وَالْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ ، وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَادِي = تَلِيه حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا ، أَنْ لَا يُبَاعَ وَلَا يُشْتَرَى ، يُنْفِقُهُ حَيْثُ رَأَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَذَوِي الْقُرْبَى ، لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ إنْ أَكَلَ أَوْ آكَلَ أَوْ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْهُ .

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ حَفْصَةَ دُونَ إخْوَتِهَا وَأَخَوَاتهَا" انتهى .

وقال في العطية (8/258):

"فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِحَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ ، أَوْ عَمَى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ ، أَوْ صَرَفَ عَطِيَّتَهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ ، أَوْ بِدْعَتِهِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا = فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ؛ لِقَوْلِهِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ : لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لَحَاجَةٍ ، وَأَكْرَهُهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ.

وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ" انتهى.

وقال المرداوي رحمه الله ، بعد أن ذكر أن الواجب على الأب أن يسوي بين أولاده في العطية :

"وقيل: إنْ أعْطاه لمَعْنًى فيه؛ مِن حاجَةٍ، أو زَمانَة، أو عَمًى، أو كثرَةِ عائلَة، أو لاشْتِغالِه بالعِلمِ ونحوه، أو منَع بعْضَ وَلَدِه لفِسْقِه، أو بِدْعَتِه، أو لكَوْنِه يعْصِي الله بما يأخُذُه ونحوُه: جازَ التَّخْصيصُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ [يعني : ابن قدامة]... ثم قال : وهذا قَويٌّ جدًّا" انتهى، الإنصاف (17/63).

وإذا مات الأب، والبيت المذكور على ملكه: فإنه داخل في جملة التركة، فيقسم على ورثته جميعا، كل حسب نصيبه من الميراث.

ثانيا:

إذا ترك الوالد مالا، كما هو ظاهر من السؤال، فالواجب أن يبدأ بسداد دينه، أولا، من هذا المال، قبل أن يقسم على الورثة.

فإذا لم تبادروا بتقسيم التركة، وتراخى ذلك مدة ظاهرة، وكان الابن يسكن في "بيت الوالد" في هذه المدة، فإذا لم يقبل الورثة بسكناه مجانا، فإن أجرة مسكن هذا الابن تقدر بما يستحقه مسكنه في بلدكم، وتكون دينا عليه، ثم ينظر؛ فإن كانت أجرة سكناه، تساوي ما أخذه الوالد من ماله؛ فلا شيء عليكم، وقد أخذ حقه، أجرة سكناه، في مقابل ما له من دين.

وإن كان الدين أكثر، لزمكم أن تردوا ما زاد على أجرة السكنى في مال أخيكم.

وإن كان أقل، لزمه أن يرد ما فضل عن دينه، إلى التركة، إلا أن يسامحه باقي الورثة في ذلك.

والحاصل:

أن مقابلة سكنى الابن بالدين الذي له: إنما تقدر فقط في المدة التي سكنها بعد وفاة والده، وليس من حين سكنه في حياة الوالد؛ فقد البيت على ملك الوالد، وأسكنه فيه لحاجته، ولا حرج عليه في ذلك.

ثم تقدر قيمة أجرة المسكن، في هذه المدة، وينظر في الدين؛ على ما سبق شرحه.

وإن رددتم على أخيكم دينه كله، وسامحتموه على مدة سكناه بعد وفاة الوالد، رعاية لحاله، وأسوة بما فعل الوالد؛ فهو خير لكم، وأبلغ في صلة الرحم، ورعاية والدكم في الضعيف من ولده، وفيه من البر به ما هو أعظم من حظكم في أجرة السكن، وأرجى لكم عند الله.

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب