أردت أن أشتري ألة خياطة، فقررت أن أبيع ذهبا لصديقتي، وقد أكدت لي صديقتي أن بإمكانها إقراضي المال، وأرجع متى تيسر، ولكني خفت أن لا أوفر المبلغ، فأصررت على بيع الذهب وبعد فترة توفر لي بعض المال، وندمت لأن ذلك الذهب ملك ابنتي، فقررت استرجاعه، فوافقت صديقتي بكل سرور، وقالت: خذي الذهب، وردي المال متى تيسر، وإن لم يتيسر فأنا مسامحة، فأرجعت لها نصف المبلغ، وردت لي ذهبي فهل علي إثم؟ أرجو التفصيل.
الحمد لله.
من باع شيئا فندم على بيعه، شُرع له طلب الإقالة، واستُحب للمشتري إقالته؛ لما روى أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والإقالة في بيع الذهب بالذهب أو بالنقود، هل يشترط فيها التقابض، أم يجوز فيها تأخير أحد البدلين؟ على خلاف بين الفقهاء.
وقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يشترط التقابض في الإقالة من (مبادلة الذهب بالنقود)؛ لأنهم يرون الإقالة فسخا، فلا يشترط فيه التقابض.
وذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب التقابض، لأن المالكية يرون الإقالة بيعا.
وأبو حنيفة، وإن كان يقول إن الإقالة فسخ؛ إلا أنه اعتبرها بيعا في حق ثالث، وجعل حق الشرع في حكم الثالث.
قال في "أسنى المطالب" - شافعي - (2/74): "وفَرّع على كونها فسخا مسائل، فقال: (فيجوز تفريق المتقايلين)، أي تفرقهما من مجلس الإقالة (في الصرف، قبل التقابض) " انتهى.
وقال في "كشاف القناع " - حنبلي - (3/ 249): " (وهي) أي الإقالة: (فسخ) للعقد، لا بيع ... فـ (تصح) الإقالة (في المبيع، ولو قبل قبضه ... )، كمبيع في ذمة، أو بصفة، أو رؤية متقدمة؛ لأنها فسخ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض. (و) تصح (في مكيل وموزون) ومعدود ومذروع، بغير كيل ووزن وعد وذرع؛ لأنها فسخ " انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (308155).
فعلى القول الأول لا حرج في استرجاعك الذهب مع رد جزء من الثمن؛ لأنه لا يشترط القبض في الإقالة.
وعلى القول الثاني، لا تصح الإقالة حتى تردي الثمن كاملا عند أخذ الذهب؛ لاشتراط القبض في هذه الإقالة.
والأقرب: أن الإقالة فسخ، وأنه لا يشترط فيها التقابض.
قال الشيخ أبو عمر الدبيان: " الذي أميل إليه: أن الإقالة فسخ، بشرط أن تكون بمثل الثمن الأول.
فإن كانت بأكثر منه، أو بأقل، أو بثمن مختلف عن الثمن الأول: فإنها بيع من البيوع، يشترط فيها ما يشترط في البيع.
فإن قيل: كيف تعتبر فسخًا في حال، وبيعًا في حال، وحقيقتها واحدة؟
فالجواب:
أن الأصل أنها فسخ، لما كان ذلك يؤدي إلى رفع العقد، ورجوع المبيع إلى البائع، والثمن إلى المشتري، ولكن لما اختلف الحال، بأن كان الثمن بأكثر من الثمن الأول، علمنا أن العاقدين لم يريدا من لفظ الإقالة الفسخ، وإنما أرادا - والله أعلم - عقدًا آخر، ولكنهما استعملا لفظ الإقالة، والعبرة في العقود بالمعاني، فلو قال: وهبتك هذا بعشرة، كان بيعًا، وإن استعمل لفظ الهبة؛ لأنه حين ذكرَ العوض، خرج من حقيقة الهبة إلى حقيقة المعاوضة، والله أعلم" انتهى من "المعاملات المالية أصالة ومعاصرة" (7/ 421).
والحاصل:
أنه لا حرج فيما قمت به من استراجاع الذهب، ورد بعض النقود، ويلزمك رد الباقي إلا أن تعفو عنه صاحبتك.
وننبه على أنه لو أردتِ شراء الذهب الذي أصبح ملكا لصاحبتك -وليس استرجاعه بالإقالة- أي لو أردتما بيعا جديدا، للزم التقابض في المجلس بين الذهب والنقود، وحرم تأخير شيء من الثمن.
وينظر: جواب السؤال رقم: (150841).
والله أعلم.