الحمد لله.
أولًا :
أما معاملة أبيك لأمك ، فليس من حقك أن تتدخلي فيها ، فذلك حق لوالدتك هي التي تطالب بحقها أو تسقطه كما تشاء ، كما أنه لا يجوز لك أن تطلبي منها أن تطلب الطلاق ، فإننا نخشى عليك بذلك أن يشملك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا ) رواه أبو داود (2175)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
وروى أبو داود ( 5170 ) – أيضاً – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا )، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود".
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله : " ( مَن خبَّب ) : أي : خدع وأفسد ( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها انتهى من "عون المعبود" (6/159).
وقال رحمه الله – أيضا - : ( مَنْ خَبَّب زوجة امرئ ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها ، أو يزوجها لغيره ، أو غير ذلك " انتهى من "عون المعبود" (14/52).
ثانيا :
أما معاملة أبيك لك فهذا هو الذي يعنيك ، فحق الوالدين عظيم ، قرنه الله تعالى بتوحيده والإيمان به ، وأمر بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف ، حتى لو كانا مشركين ، بل حتى لو كانا يجاهدان ولدهما على أن يشرك بالله .
وقدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله في بعض أحاديثه ، وأدلة ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية معروفة مشهورة .
وينظر لبيانها جواب السؤال رقم: (35533).
ثالثا :
مِنْ بر الوالدين: الدعاء لهما ، في حياتهما وبعد مماتهما.
قال الله تعالى: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء/24.
فالواجب عليك أن تدعي له، لا عليه.
فالدعاء عليه مما يخالف هذه الآية ، وهو من أشد العقوق، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه أن عاق والديه لن يدخل الجنة . ( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر، والعاق لوالديه: والدَّيُّوث الذي يقر الخبث في أهله ) رواه أحمد بإسناد حسن.
وإذا كان المسلم إذا لم يسب ، والديه ولكنه تسبب في سبهما ، فإنه يكون قد ارتكب أمرا عظيما ؛ فكيف إذا سبهما هو بنفسه ؟!
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) ، قيل : يا رسول ، وهل يسب الرجل والديه ؟ قال : ( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه) رواه البخاري (5973)، ومسلم (130).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"فجعل صلى الله عليه وسلم التسبب في سب الوالدين سبّاً لهما، فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية ببر الوالدين ، والإحسان إليهما ، ولا سيما عند الكِبَر، والحاجة إلى العطف والبر والخدمة ، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل" . انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8/ 306 - 307).
وبهذا يتبين أن سب الوالدين والدعاء عليهما وتمني الشر لهما: من كبائر الذنوب .
وإذا كنت تنكرين على والدك تصرفاته الخاطئة ، فلا تخطئي أنت ، وداومي على فعل الصواب .
رابعا :
أما كرهك لوالدك ، فلا يجوز لك أن تتسببي في ذلك ، ولا أن تَزيديه ، بأن تديمي التفكير في تصرفاته وأخطائه ، فإن ذلك مما يجلب الكره ، بل اصرفي تفكيرك عن أخطائه .
فإن غُلبت ، ووقع في قلبك شيء من الكره فلا تلامين عليه ، بشرط ألا يوقعك ذلك في العقوق ، فعليك أن تمسكي لسانك وتصرفاتك ، مع مجاهدة ما وقع في نفسك من الكره ، والسعي للتخلص منه ، لأنه لن يعينك على برك بوالدك ، بل بالعكس سيؤدي بك إلى عقوقه .
خامسا :
أفضل نصيحة لمعاملة من أساء إلى الإنسان أن يرد عليه بالحسنى ، لا بالإساءة مثله .
قال الله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34.
قال ابن كثير رحمه الله :
" قال تعالى مرشدًا إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة، فقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ، وهذا كما قال في الآية الأخرى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 34، 35] : أي ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة أو الصفة إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا أي: على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي: في الدنيا والآخرة" انتهى.
وإذا كان ذلك في حق أي إنسان ، فحق الوالدين أعظم ، فاجتهدي في الإحسان إلى والدك ، وانصحي أخواتك بذلك ، فهذا هو سبيل الإصلاح .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأنكم ، ويهدي والدكم .
والله أعلم .