الحمد لله.
أولاً:
اختلف العلماء رحمهم الله في جواز مس المصحف للمحدث، فمن أهل العلم من يقول : إن مس المصحف للمحدث جائز ، وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في منع المحدث من مس المصحف ، والأصل براءة الذمة وعدم الإلزام .
ومن العلماء من قال : إنه لا يحل مس المصحف إلا على طهارة ، لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلي الله عليه وسلم: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا هو الطاهر من الحدث ، لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم قال : (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ( ولقوله تعالى في الحيض:) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله)
وهذا القول أصح من القول الأول ، لأن كلمة (طاهر) وإن كانت مشتركة بين الطهارة المعنوية والطهارة الحسية، لكن المعهود من خطاب الشارع أن لا يعبر بكلمة طاهر لمن كان طاهرا طهارة معنوية " "انظر: فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (5/ 2 بترقيم الشاملة"
والقول بعدم جواز مس المصحف بغير وضوء قول جمهور أهل العلم ، وقد سبق يبان ذلك بفتوى مفصلة في الموقع فليوجع إليها. (311712).
ثانياً:
مس الأطفال للمصحف بغير طهارة لأجل الحفظ والتعلم اختلف فيه العلماء، فذهب الجمهور إلى جوازه، فذهب الأحناف والمالكية ورواية عند الحنابلة إلى جوازه مطلقاً، للميز وغير المميز، وخص الشافعية الجواز بالمميز.
جاء في النهاية في شرح الهداية: "وأما مس الصبيان المصاحف والألواح في المكتب وغيره: فلا بأس به؛ لأنهم لا يخاطبون بالطهارة، وإن أُمِروا به تخلُّقًا واعتيادًا" انتهى من "النهاية في شرح الهداية" (1/ 235 بترقيم الشاملة).
وقال الحصكفي الحنفي رحمه الله: "ولا يكره مس صبي لمصحف ولوح، ولا بأس بدفعه إليه وطلبه منه؛ للضرورة، إذ الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر" انتهى من "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (ص29).
قال الخرشي المالكي رحمه الله: "وجاز مس جزء لمتعلم صبي...
والمراد بالجزء ما قابل الكامل، لكن جزء له بال.
ثم إن المعتمد: أن للمتعلم مس الكامل؛ لأن ابن بشير حكى الاتفاق على جواز مس الكامل" انتهى من "شرح الخرشي على مختصر خليل" (1/161).
وقال الغزالي رحمه الله: "والأصح أنه لا يجب على المعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لمس المصحف واللوح، فإن في حفظها عليهم عسرة" انتهى من "الوسيط في المذهب" (1/ 331):
وقال النووي رحمه الله: "هل يجب على الولي والمعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما ؟
فيه وجهان مشهوران: أصحهما عند الأصحاب : لا يجب؛ للمشقة" انتهى من "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص196).
وجاء في الموسوعة الفقهية: "
قال الحنفية: يجوز للصبي مس القرآن أو لوح فيه قرآن للضرورة من أجل التعلم والحفظ، ولأن الصبيان لا يخاطبون بالطهارة، ولكن أمروا به تخلُّقا واعتيادا.
وقال مالك في المختصر: أرجو أن يكون مس الصبيان للمصاحف للتعليم على غير وضوء جائزا.
وقيل: إن الصغير لا يمس المصحف الكامل، وهو قول ابن المسيب.
وقال الشافعية: لا يمنع صبي مميز من مس وحمل مصحف أو لوح يتعلم منه، لحاجة تعلمه، ومشقة استمراره متطهرا.
وقال النووي: أبيح حمل الصبيان الألواح للضرورة للحاجة، وعسر الوضوء لها.
وقال الحنابلة: وفي مس صبيان الكتاتيب ألواحهم التي فيها القرآن وجهان؛ أحدهما: الجواز لأنه موضع حاجة، فلو اشترطنا الطهارة أدى إلى تنفيرهم من حفظه" انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (37/ 278).
ومما سبق نعلم أنّ جمهور أهل العلم على جواز مس الصبي للمصحف بغير طهارة لغرض التعلم، سواء كان مميزا أو غير مميز.
وهذا أيسر على الناس، وأدعى لربط الأجيال بالقرآن، وهو قول الجمهور.
والله أعلم.