هل ينال الثواب إذا قال دعاء المصيبة بعد زمنٍ من وقوعها؟

29-07-2024

السؤال 506900

هل إذا قلت عند تذكر شيء سيء محزن أو تذكرت هم (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها)، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، هل سيعوضني الله خيرا منها؟ أو إن هذا فقط عند وقوع المصيبة؟ وكيف يكون التعويض؟ هل يكون في نفس جنس المصيبة؟ أم إنه يكون في أي شيء؟ أو إنه يكون في الآخرة؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

الأجر العظيم المترتب على الصبر والاحتساب: يكون لمن صبر واحتسب عند وقوع المصيبة، ودون ذلك أجر إذا استدرك الصبر والاحتساب، لعموم الأدلة في ثواب الصبر وإثابة الصابرين.

ومما يدل على أن الأجر الفاضل للاحتساب والدعاء بالخلف، إنما يكون عند نزول المصاب به، والصدمة الأولى له، حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:

" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: (اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي).

فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي؟!

فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ، فَأَتَتْ بَابَهُ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَعْرِفْكَ.

فَقَالَ: ‌(إِنَّمَا ‌الصَّبْرُ ‌عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ، أَوْ قَالَ: عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ ).

رواه البخاري (1283)، ومسلم (926)، واللفظ له.

قال ابن الجوزي، رحمه الله:

" الصدمة الأولى: فجأة المصيبة. والصدم: ضرب الشيء الشديد بمثله. وتصادم الرجلان: تدافعا بعنف.

ومعنى الحديث: أن الصبر الذي هو صبر حقيقة الذي به يعظم الأجر: عند الصدمة الأولى...

وهذا لأن مرور الزمان يُهوِّن المصائب، لأن النسيان يطرأ، وعمل القوة الفكرية ينصرف عما تقادم عهده إلى غيره، فيقع الصبر من غير تكلف، وإنما القوة في مقابلة البلاء عند مبدأه، ولا يقدر على الصبر حينئذ إلا أحد رجلين: مؤمن بالأجر فهو يصبر لنيل ما يرجوه، أو ناظر بعين العقل إلى أن الجزع لا فائدة فيه. قال علي عليه السلام للأشعث بن قيس: إنك إن صبرت إيمانا واحتسابا، وإلا سلوت كما تسلو البهائم" انتهى، من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 250). وينظر أيضا: "الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هبيرة (5/ 206).

وقال ابن بطال، رحمه الله:

" إن قيل: قد علمت أن العبد منهى عن الهُجر وتسخط قضاء الرب فى كل حال، فما وجه خصوص نزول الأولى بالصبر في حال حدوثها؟

قيل: وجه خصوص ذلك أن للنفس عند هجوم الحادثة محركا على الجزع، ليس في غيرها مثله، وتلك حال يضعف عن ضبط النفس فيها كثير من الناس، ثم يصبر كل جازع بعد ذلك إلى السكون ونسيان المصيبة، والأخذ بقهر الصابر نفسه، وغلبته هواها عند صدمته إيثارًا لأمر الله على هوى نفسه، ومنجزًا لموعوده.

بل السالي عن مُصابه لا يستحق اسم الصبر على الحقيقة، لأنه آثر السلو على الجزع، واختاره.

وإنما الصابر على الحقيقة: من صبر نفسه، وحبسها عن شهوتها، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذى فيه راحة النفس، وإطفاء لنار الحزن، فإذا قابل سَوْرة الحزن، وهجومه، بالصبر الجميل، واسترجع عند ذلك، وأشعر نفسه أنه لله ملك، لا خروج له عن قضائه، وإليه راجع بعد الموت ويلقى حزنه بذلك= انقمعت نفسه، وذلَّت على الحق، فاستحقت جزيل الأجر.

قال المهلب: (نعم العدلان، ونعمت العلاوة) فقيل: العدلان: الصلوات والرحمة، والعلاوة: (وأولئك هم المهتدون) [البقرة: 157] ، وقيل: (إنا لله وإنا إليه راجعون) [البقرة: 156] والعلاوة: التى يثاب عليها". انتهى، من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (3/ 286).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " وأهل المصائب إنما يكونون صابرين، إذا صبروا عند الصدمة الأولى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ‌إنما ‌الصبر ‌عند الصدمة الأولى ).     

وإلا فمن لم يصبْر صبرَ الكرام، سَلَا سُلُوَّ البهائم.

والعاقل يفعل في أول يومٍ، ما يفعله الأحمق بعد ثلاثة أيام ". انتهى، من "جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم" (8/ 232).

ثانياً:

وأما عن قول الدعاء الوارد عند المصيبة ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم! أجرني في مصيبتي ‌وأخلف ‌لي ‌خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها ):

فلا شك أن قوله عند أول وقوع المصيبة هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ورتب عليه الأجر بالعوض.

ولكنه، على أية حال: دعاء، ودعاء بخير، وهو كذلك مناسب للحال؛ فلا شك في مشروعيته، سواء في أول المصيبة، أو بعدها، لا سيما إذا تذكرها، فوجد شيئا من حرارتها، وأحزانها.

وإذا كان دعاء، فهو على رجاء الإجابة من الله جل جلاله، لا سيما إذا كان تركه له في أول المصيبة غفلة، أو تقصيرا، ندم عليه، واستعتب منه؛ فيرجى أن يعفو الله له عن تقصيره، ويعطيه سؤله، وحاجته، ويجعل له من مصابه خلفَ خير.

وقد جاء في الحديث: عن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَلا مُسْلِمَةٍ يُصَابُ ‌بِمُصِيبَةٍ، ‌فَيَذْكُرُهَا، وَإِنْ طَالَ عَهْدُهَا ، فَيُحْدِثُ لِذَلِكَ اسْتِرْجَاعًا، إِلا جَدَّدَ اللهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِهَا يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا ) . رواه أحمد (1734) وقال محققوه: "إسناده ضعيف جدا".

قال الشوكاني رحمه الله:

"قوله: (فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب): فيه دليل على أن استرجاع المصاب عند ذكر المصيبة يكون سببا لاستحقاقه لمثل الأجر الذي كتبه الله له في الوقت الذي أصيب فيه بتلك المصيبة، وإن تقادم عهدها ومضت عليها أيام طويلة" انتهى من "نيل الأوطار" (4/ 116).

ثالثاً:

أما التعويض المذكور في الحديث (إلا أخلف الله له خيرا منها)، فهذه قد يكون من جنس ما فات الإنسان، ولكنه خير منه. كما وقع لأم سلمة حينما قالته فأخلف الله عليها بزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد يكون العوض والخلف بأمر آخر هو خير مما فات سواء في الدنيا أو في الآخرة.

قال ابن الملك، رحمه الله:

" (وأخلف لي): - بقطع الهمزة - "خيراً منها"؛ أي: عوِّضني خيراً مما فاتني في هذه المصيبة.

(إلا أخلف الله له خيراً منها) في الدنيا والآخرة". انتهى، من "شرح المصابيح لابن الملك" (2/ 338).

والله أعلم.

 

الدعاء
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب