الغسل بين المغرب والعشاء فإنه يقوي الجسم وينشطه ويساعد على القيام وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بين العشاءين
في رمضان وخاصة في الليالي العشر)
هل ثبت حديث صحيح في هذا الشأن؟
الحمد لله.
لم نقف على خبر صحيح مسند، في مشروعية الغسل قبل العشاء في العشر الأواخر من رمضان، لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من قوله.
وغاية ما ورد في هذا، ما نقله ابن رجب في "لطائف المعارف"، حيث قال رحمه الله تعالى:
" روي عنه من حديث عائشة وأنس أنّه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عَشاءه سحورا. ولفظ حديث عائشة: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحورا ). أخرجه ابن أبي عاصم، وإسناده مقارب " انتهى. "لطائف المعارف" (ص 431).
وهذا الخبر لم نقف عليه في الكتب المسندة، وقد ساقه الحافظ ابن رجب بلا إسناد، ثم هو رحمه الله تعالى لم يقطع بثبوته لا بصحته ولا بحسنه، وإنما اكتفى بقوله: "وإسناده مقارب"، وهذه العبارة تشعر بأن في إسناده بعض الوهن.
وأصل هذا الحديث قد ورد في دواوين السنة، بدون هذه الزيادة، وهذا مما يشعر بعدم صحتها.
فرواه البخاري (2024) ومسلم (1174): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ).
وكذا رواه أصحاب السنن وغيرهم، بدون هذه الزيادة.
وورد في هذا خبر آخر أورده ابن رجب وضعفه، حيث قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وروي من حديث عليّ: ( أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَغْتَسِلُ بينَ العشاءينِ كل ليلةٍ )، يعني: من العشر الأواخر. وفي إسناده ضعف " انتهى. "لطائف المعارف" (ص 436).
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3 / 10): حدثنا ابن فضيل، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة، عن طلحة بن يزيد الأنصاري، عن حذيفة، قال: ( قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من رمضان في حجرة من جريد النخل، ثم صب عليه دلوا من ماء، ثم قال: اللَّهُ أكَبْرُ ذو المَلَكُوتِ وَالجَبَرُوتِ وَالكِبْرَياءِ والْعَظمَةِ ).
وهذا الخبر مع عدم وضوح سبب الاغتسال، فقد قال محققو المصنف:
" منقطع؛ طلحة لم يسمع من حذيفة " انتهى.
فالحاصل؛ أنه لم يثبت في السنة ما يدل على استحبابه، والاستحباب حكم شرعي يلزمه الدليل.
ولكن من رأى أن ذلك أنشط له في قيام هذه الليالي المباركات، فاغتسل، فهو حسن.
ومثل ذلك من رأى أن ذلك أطيب له، وأكمل في زينته. ولعله من هذا الباب ما ورد من اغتسال بعض السلف في مثل هذه الليالي.
كما روى عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 249 - 250): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ كَأَنَّهَا لَيْلَةٌ سَابِعَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تُوَاطَأَتْ فِي لَيْلَةِ سَابِعَةٍ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا مِنْكُمْ، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي لَيْلَةٍ سَابِعَةٍ ).
قَالَ: مَعْمَرٌ: ( فَكَانَ أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثِ وَعِشْرِينَ، وَيَمَسُّ طِيبًا ).
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر.
وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة.
ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر…
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر: التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد. وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات " انتهى. "لطائف المعارف" (ص 436 — 437).
والله أعلم.