أعمل بشركة خدمات طبية، هذة الشركة تقوم بإعطاء الموظفين سيارة جديدة عند وصولهم إلى درجة وظيفية معينة، السيارة هذة تكون جديدة، وتقوم الشركة بدفع أقساطها مع البنك، لا أعلم تفاصيل العقد بين الشركة والبنك، لكن تصبح هذة السيارة ملكا للموظف طالما استمر فى الشركة لمدة ٧ سنوات بعد إعطائها له، أما إذا رحل الموظف قبل ذلك تقوم الشركة بأخذ السيارة منه. فهل علي اثم إن أخذت هذة السيارة، واستمريت فى العمل بالشركة ٧ سنوات، أو رحلت، وتركتها للشركة، فهل علي إثم إن كانت تفاصيل العقد بين الشركة وبين البنك ربوية؟ علما بأن الشركة تقوم بتوفير مواصلات عامة لجميع الموظفين، أما الموظفون ذو الدرجة العالية فتعطيهم سيارة بالشروط السابقة، وتقوم هى بسداد الأقساط كاملة دون تحمل الموظف أى شيء من الأقساط، وإذا رفض الموظف هذه السيارة فلن يأخذ بدل انتقال باعتبار أن الشركة توفر مواصلات عامة، ولن ياخذ أيضا الأموال التى كانت الشركة ستدفعها للبنك مقابل الأقساط الشهرية للسيارة، فماذا أفعل؟
الحمد لله.
ألأول:
إذا كان الموظف لا صلة له بعقد شراء السيارة، ولا يُطلب منه توقيع، أو تقديم طلب يُرفع إلى البنك: فلا حرج عليه في استعمال السيارة؛ سواء تملكتها الشرك بعقد مباح أو بعقد ربوي.
وبيان ذلك:
1-أن الشركة إن تملكت السيارة بعقد مباح، كعقد المرابحة الذي يشتري فيه البنك السيارة لنفسه، ثم يبيعها على الشركة، فانتفاع الموظف بهذه السيارة لا حرج فيه، وهو ظاهر.
وينظر في بيان ضوابط المرابحة: بيع المرابحة للآمر بالشراء.
2-وإن تملكت الشركة السيارة بعقد محرم، كأن يكون البنك لا يشتري السيارة ثم يبيعها، بل يدفع ثمنها عن الشركة، ثم يتقاضاه منها مقسطا بزيادة، وهذا قرض ربوي، فإن فعلت الشركة ذلك، فقد وقعت في الإثم والربا، لكنها تملك السيارة شرعا، وذلك أن من اقترض قرضا ربويا ملك المال، فالقرض الربوي - مع حرمته وشناعته - يفيد الملك على الصحيح، وهو مذهب الحنفية والحنابلة وقول للشافعية، أي أن المقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه، ويلزمه رد بدله، وعليه فيصح أن يشتري به السيارة، وتكون ملكا له، مع إثم الربا الذي تلزم منه التوبة.
وإثم القرض الربوي يتعلق بذمة المقترض، لا بعين المال.
وينظر: "المنفعة في القرض" للدكتور عبد الله بن محمد العمراني، ص 245 - 254
وإذا ملكت الشركةُ السيارة، جاز لها التصرف فيها بالهبة ونحوها، ولا إثم على الموظف ما دام لم يشارك ولم يعن على العقد المحرم.
ثانيا:
اشتراط أن يعمل الموظف سبع سنين ليملك السيارة، هو من باب الهبة المعلقة على شرط، وجواز تعليق الهبة بالشرط هو قول بعض الحنفية والحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله.
قال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (20/ 391): "ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي الحارث صحة دفع كل واحد من الزوجين إلى الآخر مالاً على أن لا يتزوج .. ومن لم يف بالشرط لم يستحق العوض، لأنها هبة مشروطة بشرط فتنتفي بانتفائه" انتهى.
وذكر في "الإنصاف" (17/ 44) أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختار جواز تعليق الهبة بالشرط.
وقال ابن القيم رحمه الله - وهو يرد قول من قال: إن الهبة لا يصح تعليقها بالشرط - قال:
"وهذا الحكم غير ثابت بالنص ولا بالإجماع، فما الدليل على بطلان تعليق الهبة بالشرط؟
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علق الهبة بالشرط، في حديث جابر لما قال: لو قد جاء مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا ثم هكذا. ثلاث حثيات. وأنجز ذلك له الصديق رضي الله عنه لما جاء مال البحرين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: كان ذلك وعداً. قلنا: نعم، والهبة المعلقة بالشرط وعد، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى النجاشي بهدية من مسك، وقال لأم سلمة: إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة. فإن ردت علي، فهي لك. وذكر الحديث. رواه أحمد.
فالصحيح: صحة تعليق الهبة بالشرط عملاً بهذين الحديثين " انتهى من "إغاثة اللهفان" (2/ 16 - 17).
وينظر: "حاشية ابن عابدين" (5/ 710).
وجاء في المعايير الشرعية، ص268: "مستند مشروعية تعليق الهبة على إتمام الإجارة: هو أن الهبة تقبل التعليق، وقد وهب النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي هبة معلقة على وجوده حيا حين وصول حاملها إليه" انتهى.
كذا قالوا؛ والصواب أن الهبة المعلقة هنا: إنما هي لنسائه، بعد أن ترد من عند النجاشي. وأما هديته للنجاشي فليست معلقة.
وحديث جابر رواه البخاري (2296)، ومسلم (2314) عَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَى لِي حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِائَةٍ وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا ".
وحديث أم سلمة في الهدية إلى النجاشي رواه أحمد (27276)، وابن حبان (5114)، وضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وعليه؛ فلو أتممت العمل سبع سنين، كانت السيارة لك، عملا بالشرط، وإن لم تكمل المدة فلا شيء لك.
والله أعلم.