إذا أسقط حقه في حال الغضب، هل يسقط؟

21-08-2024

السؤال 509113

وعدني صديقي بإعطائي مبلغًا محددًا من المال بناءً على شروط معينة، عندما تحققت تلك الشروط طلبت منه المال، نسي صديقي الوعد بالفعل، وقال: إنه سيعطيني نصف المال، وطلب مني أن أحلف بالله، وحلفتُ بالفعل، كنت في حالة غضب، وصدمة شديدة، لذلك قلت: احتفظ بالمال، وقلت بالعربية لا أريد، طلبت منه المال ولو نصفه عندما هدأ غضبي، لكنه الآن يزعمُ أنني سامحته بكلامي، في الواقع لم أسامحه من قلبي، كنت في حالة غضب شديد، هل من حقِّي المطالبة بهذا المال الآن؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قد ذكرت أن صديقك وعدك بمال بناء على شروط معينة، ولم تبين هذه الشروط، ليتبين هل ما بينكما معاوضة، كإجارة أو جعالة، أو وكالة بأجرة، فيلزم بالاتفاق، أم هو محضُ هبة منه، لكن بعد تحقق شروط معينة.

فإن كان هبة: فينبغي أن يفي بالوعد، ولا يلزمه ذلك في قول جمهور الفقهاء؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، وله الرجوع فيها قبل القبض.

قال في "كشاف القناع" (4/ 301): " (وتلزم) الهبة (بقبضها بإذن واهب)، و(لا) تلزم (قبلهما) أي: قبل القبض بإذن الواهب، (ولو) كانت الهبة (في غير مكيل ونحوه). لما روى مالك عن عائشة " أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسْقا من ماله بالعالية، فلما مرض قال: يا بنية، كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا، ولو كنت جذذتيه أو قبضتيه، كان ذلك، فإنما هو اليوم مال وارث، فاقتسِموه على كتاب الله تعالى " وروى ابن عيينة عن عمر نحوه.

وروي أيضا نحوه عن عثمان وابن عمر وابن عباس، ولم يُعرف لهم مخالف من الصحابة" انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (264311).

ثانيا:
إذا نسي صديقك الوعد أو الاتفاق، فعليك البينة؛ لأنك المدعي، فإن لم تأت بالبينة حلف هو؛ لما روى البخاري (4552)، ومسلم (1711) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .

وعند البيهقي:  ولكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر  وصححه النووي في "شرح مسلم"، وابن حجر في "بلوغ المرام".

فلا تتوجه اليمين عليك، وإنما على صاحبك.

فإن لم يحلف: لزمه أن يعطيك المال، في حال كونه معاوضة.

وأما في حال كونه وعدا بهبة محضة: فلو أخذ بقول الجمهور ولم يفِ: فلا شيء عليه.

ثالثا:

قول الإنسان: احتفظ بالمال، وقوله بالعربية: لا أريد، هذا تنازل وإبراء، فليس له المطالبة بعد ذلك-ولو قالها حال الغضب-؛ لأن الإبراء لا رجوع فيه، اتفاقا.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/ 144): " والذي يوافق الإبراء من الهبة: هو هبة الدين للمدين , فهي والإبراء بمعنى واحد عند الجمهور الذين لا يجيزون الرجوع في الهبة بعد القبض.

أما عند الحنفية، القائلين بجواز الرجوع في الجملة: فالإبراء مختلف عن هبة الدين للمدين؛ للاتفاق على عدم جواز الرجوع في الإبراء بعد قبوله، لأنه إسقاط , والساقط لا يعود، كما تنص على ذلك القاعدة المشهورة " انتهى.

لكن إذا كان هذا التنازل لكونه طالبك بالحلف، وقد علمت أنه لا حلف عليك، بل الحلف عليه، فلك الرجوع، والمطالبة، وإخباره أن الحلف عليه، وأنه إن لم يحلف: لزمه دفع المال، لأن التنازل هنا جاء على سبب تبين عدمه.

وهذا فيما إذا كان الذي بينكما معاوضة.

أما إن كان الأمر مجرد وعد، فله أن يأخذ بقول الجمهور ويمتنع عن دفع المال، حتى لو تذكر الوعد، أو أقمت عليه البينة، وله الامتناع من الحلف أيضا.

والله أعلم.

الهدية والهبة والعطية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب