أنا شاب عمري 17سنه كنت أصلي فقلت في الصلاة اللهم إني أبايعك على نصرة دينك و أبايعك على طاعتك وطاعة رسولك و إجتناب معصيتك ومعصية رسولك، فلا أعلم هل أنا هنا أكون ظلمت نفسي وماذا يترتب علي بعد قول هذا الدعاء ، وإذا اخلفت مع الله هل أكون منافقا ؟
الحمد لله.
أولا:
الأصل: أن البيعة إنما تكون للأمير أو القائد، يبايعه الناس على السمع والطاعة والنصرة ونحو ذلك، كما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة، وكما بايعه المهاجرون والأنصار يوم الحديبية، وكما بايعته النساء بعد فتح مكة.
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا الفتح/10
قال الطبري، رحمه الله: " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن الذين يبايعونك بالحديبية من أصحابك على أن لا يفروا عند لقاء العدو، ولا يولوهم الأدبار إنما يبايعون الله يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله، لأن الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك " انتهى، من تفسير الطبري (21/ 254).
وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا الفتح/18
وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الممتحنة/12
وسميت البيعة بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية، وكانوا إذا بايعوا الأمير جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري.
قال ابن رجب رحمه الله: " وقد قيل: إن البيعة سميت بيعة لأن صاحبها باع نفسه لله.
والتحقيق: أن البيع والمبايعة مأخوذان من مد الباع ، لأن المتبايعين للسلعة كل منهما يمد باعه للآخر ويعاقده عليها، وكذلك من بايع الإمام ونحوه فإنه يمد باعه إليه ويعاهده ويعاقده على ما يبايعه عليه. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبايع أصحابه عند دخولهم في الإسلام على التزام أحكامه، وكان أحيانا يبايعهم على ذلك بعد إسلامهم تجديدا للعهد وتذكيرا بالمقام عليه" انتهى من فتح الباري (1/ 85).
وقال الكرماني رحمه الله: " المبايعة على الاسلام عبارة عن المعاقدة والمعاهدة عليه، سميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية، كأن كل واحد منهما يبيع ما عنده من صاحبه، فمن طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد الثواب، ومن طرفهم التزام الطاعة، وقد تعرّف بأنها عقد الإمام والعهد بما يأمر الناس به" انتهى من كوكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 105).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والمبايعة عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية ، كما في قوله تعالى : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)" انتهى من فتح الباري (1/ 64).
ولم نقف على شيء يفيد أن البيعة تكون مع الله، كأن يقول: أبايع الله على كذا.
ثانيا:
البيعة يراد بها المعاقدة والعهد والالتزام.
جاء في الموسوعة الفقهية (9/ 274): " للبيعة في اللغة معان، فتطلق على: المبايعة على الطاعة. وتطلق على: الصفقة من صفقات البيع، ويقال: بايعته، وهي من البيع والبيعة جميعا والتبايع مثله. قال الله تعالى : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمجاشع حينما سأله: علام تبايعنا؟ قال: على الإسلام والجهاد. وهو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأن كلا منهما باع ما عنده لصاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره...
والبيعة اصطلاحا، كما عرفها ابن خلدون في مقدمته: العهد على الطاعة، كأنّ المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه، وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر، على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي" انتهى.
وعليه ؛ فمن بايع الله تعالى، فهو كما لو عاهده على طاعته؛ فعليه الوفاء بما ما بايع عليه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة/1
وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ النحل/91
وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً الإسراء/34
ثالثا:
الظاهر أن هذه المبايعة لها حكم النذر؛ لما فيها من الالتزام، بل الالتزام هنا أشد من الالتزام الذي يكون بلفظ العهد.
قال في "مغني المحتاج" (6/ 232): " وأما الصيغة (أي : صيغة النذر): فيشترط فيها لفظ يشعر بالتزامٍ؛ فلا ينعقد بالنية، كسائر العقود" انتهى.
وعلى ذلك؛ فهي نذر طاعة، فيجب الوفاء به.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " إذا قال: أعاهد الله أني أحج العام، فهو نذر، وعهد، ويمين.
وإن قال: لا أكلم زيدا: فيمين، وعهد، لا نذر.
فالأيمان: إن تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة: لزمه الوفاء بها " انتهى من " المستدرك على مجموع الفتاوى " (5/ 144).
فإن أخل به، كما لو وقع في معصية، فعليه أن يتقرب إلى الله بما يستطيع من القربات.
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (9/ 401): " قال أحمد: العهد شديدٌ، في عشرة مواضع من كتاب الله: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا).
ويتقرب إلى الله تعالى إذا حلف بالعهد، وحنث؛ ما استطاع. وعائشة أعتقت أربعين رقبة، ثم تبكي حتى تبل خمارها، وتقول: واعهداه " انتهى.
وإن كثُر حِنثُه، وشق عليه التداركُ: كفّر كفارة يمين؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ: فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ: فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ: فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ: فَلْيَفِ بِهِ رواه أبو داود (3322).
قال الحافظ في الفتح: "رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه".
قال ابن قدامة في المغني (10/ 72): " من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها فعجز عنها: فعليه كفارة يمين" انتهى.
والله أعلم.