نحن جمعية خيرية، نعمل في مشروع تيسير الأضاحي، طلب منا الجزار أن يذبح الأضحية واقفه على أرجلها، وذلك لتيسير عمله، فهل هذا جائز شرعاً؟
الحمد لله.
أولاً:
يشترط لحل الذبيحة ثلاثة شروط، فإذا توفرت حلت الذبيحة.
وهناك سنن ومستحبات فيها لا تؤثر على حلها وصحتها.
أما الأمور التي لا تحل الذبيحة إلا بها فهي:
1-أن يسمي الله عليها.
لقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (الأنعام: 118)، وقوله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ» اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ الأنعام: 121) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا). أخرجه الجماعة واللفظ للبخاري.
ويشترط أن تكون التسمية عند إرادة الذبح، فلو فصل بينهما وبين الذبح بفاصل كثير لم تنفع؛ لقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) (الأنعام 18) وقوله صلى الله عليه وسلم: (وذكر اسم الله عليه) وكلمة (عَلَيْهِ) تدل على حضوره، وأن التسمية تكون عند الفعل، ولأن التسمية ذكر مشترط لفعل فاعتبر اقترانها به لتصح نسبتها إليه.
ويشترط التلفظ بالتسمية إلا مع العجز عن النطق، فتكفي الإشارة.
2- إنهار الدم، أي إجراؤه بالتذكية (واجب).
لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه). ولابد أن يكون إنهار الدم من الرقبة من أسفلها إلى اللحيين.
ويكفي على الراجح قطع الودجين لحل الذبيحة، سواء قطع معها الحلقوم والمريء أم لا.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن قطع الأوداج وحدها، فينبغي أن تحل، استدلالاً بالحديث والمعنى، والأولى قطع الجميع؛ لأنه أوحى وأبلغ من سيلان الدم وتنظيف اللحم منه" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 550).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ولهذا كان القول الصحيح: أنه إذا قُطع الودجان حلت الذبيحة، وإن لم يُقطع الحلقوم والمريء" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (7/ 448).
3-أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً -وهو من ينتسب لدين اليهود أو النصارى-.
سواء كان بالغاً أو صبياً مميزاً أو امرأة.
قال في "المغني عن ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي، قال: وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع، فأصيبت شاة منها، فأدركتها، فذكتها بحجر، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كلوها). متفق عليه" انتهى من المغني" (13/ 311).
انتهى ملخصاً من كتاب (أحكام الأضحية والذكاة للشيخ ابن عثيمين/بتصرف).
وقال شمس الدين ابن أبي عمر: "أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب؛ لقول الله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم يعني ذبائحهم.
قال البخاري : قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم. وكذلك قال قتادة، ومجاهد. وروي معناه عن ابن مسعود. وهذا قول مالك والشافعي، وأصحاب الرأي.
ولا فرق بين العدل والفاسق من المسلمين وأهل الكتاب" انتهى من "الشرح الكبير" (27/ 287).
ثانياً:
ما سوى الشروط المذكورة سابقًا، فهي سنن، ومنها هيئة الذبح، وكيفيته.
فالسنة فيها التفريق في طريقة الذبح بين الإبل وبين الغنم والبقر.
1-بالنسبة للإبل(الجمال): السنة أن تكون الذكاة بنحرها في أسفل الرقبة، مما يلي الصدر، في الوهدة التي بين الصدر وأصل العنق، فينحرها قائمة معقولة يدها اليسرى، لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البُدْن معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها". رواه أبو داود (1767).
2-أما البقر والغنم: فتذبح مضجَعَةً على جنبها الأيسر ، ويضع رجله على صفحة عنقها، ليتمكن منها؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما، يسمي، ويكبر، فذبحهما بيده". رواه البخاري (5238).
فإن ذبح البقر قائمة، أو نحرها: جاز ذلك. وكذا إن ذبح الإبل مضجعة.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"فإن ذبح ما يُنحر، أو نحر ما يُذبح: فجائز، هذا قول أكثر أهل العلم؛ منهم عطاء، والزهري، وقتادة، ومالك، والليث، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور" انتهى من "المغني" لابن قدامة (13/ 306).
وبناء على ما سبق:
فإذا أصر الجزار على ذبح الأضحية من الغنم أو البقر واقفة، أو كان في ذلك رفق ومصلحة: فلا بأس، ولا يؤثر ذلك على صحتها.
والله أعلم.