الحمد لله.
أولا:
رمي الجمار يكون بحصى متوسطة، وهي حصى الخَذْف التي يرمي بها بين الإبهام والسبابة، وقدّرها بعض الفقهاء بأنها فوق الحمصة ودون البندقة، وقدرها آخرون بأنه كحبة الفول، أو دون الأنملة.
والأصل في ذلك ما روى مسلم (1218) في حديث جابر في صفة حجي النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ".
ورواه مسلم (1299) مختصرا عن جابر قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ".
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون الحصى كذلك، فعند أبي داود (1966) قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ).
وروى النسائي (3057)، وابن ماجه (3029) عن ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: (هَاتِ، الْقُطْ لِي) فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: (بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) وصححه الألباني.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/289):
"ويستحب أن تكون الحصيات كحصى الخذف؛ لهذا الخبر، ولقول جابر في حديثه: ( كل حصاة منها مثل حصى الخذف ).
وروى سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف". رواه أبو داود.
قال الأثرم: يكون أكبر من الحمص ودون البندق. وكان ابن عمر يرمى بمثل بعر الغنم.
فإن رمى بحجر كبير، فقد رُوي عن أحمد أنه قال: لا يجزئه حتى يأتي بالحصى على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا القدر، ونهى عن تجاوزه؛ والأمرُ مقتض للوجوب، والنهى يقتضي فساد المنهيّ عنه.
ولأن الرمي بالكبير ربما آذى من يصيبه.
وقال بعض أصحابنا: يجزئه، مع تركه للسنة؛ لأنه قد رمى بالحجر، وكذلك الحكم في الصغير" انتهى.
ثانيا:
اختلف الفقهاء فيما لو رمى بحصى صغيرة جدا، أو بحجر كبير:
فقال الحنابلة إنه لا يجزئ.
قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 583): "وتكون الحصاة (أكبر من الحمص ودون البندق، كحصى الخذف) أي الرمي بنحو حصاة أو نواة بين السبابتين، تخذف بها...
و(لا) تجزئ حصاة (صغيرة جدا أو كبيرة) لظاهر الخبر، فلا يتناول ما لا يسمى حصى، والكبيرة تسمى حجرا" انتهى.
وذهب الجمهور إلى الإجزاء مع الكراهة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (15/ 278): "ذهب المالكية والشافعية وهو المختار عند الحنفية: إلى أن الجمرة تكون مقدار الباقلا، أي قدر الفولة، وقيل: قدر الحمصة، أو النواة، أو الأنملة.
وهذا بيان المندوب، ويجوز الرمي بالأكبر مع الكراهة.
وقال الحنابلة: تكون حصى الجمار أكبر من الحمص ودون البندق، كحصى الخذف، فلا يجزئ صغير جدا ولا كبير" انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 277): " (والسنة) في رمي النحر وغيره (أن يرمي) الجمرة، لا بحجر كبير ولا صغير جدا، بل (بقدر حصى الخذف)، وهو دون الأنملة طولا وعرضا في قدر الباقلاء، فلو رمى بأكبر منه أو بأصغر كره، وأجزأه" انتهى.
والحاصل:
أنه ينبغي أن يختار الإنسان حصى متوسطة، والأمر في ذلك سهل، فقد ذكروا أشياء متقاربة ليست متماثلة، فما بين الحمص والبندق متفاوت، وكذلك حبة الباقلاء متفاوتة، ويجتنب الحاج الصغير جدا والكبير؛ خروجا من خلاف من رأى أنه لا يجزئه.
والله أعلم.