هل صح قول الحسين لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (انزِلْ عَنْ ‌مِنْبَرِ ‌أَبِي!)؟

16-07-2024

السؤال 517680

ما صحة الحديث التالي: أخرج ابن عساكر عن أبي البختري قال : "كان عمر بن الخطاب يخطب على المنبر، فقام إليه الحسين بن علي رضي الله عنه، فقال: انزل عن منبر أبي، فقال عمر: منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا؟ فقام علي فقال: والله ما أمره بهذا أحد، أما لأوجعنك يا غدر، فقال: لا توجع ابن أخي، فقد صدق، منبر أبيه"، وإذا كان صحيحا، هل يمكن تفسير هذا الحديث؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر رواه ابن سعد في "الطبقات" (6 / 408)، وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" (15/760)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (1/471)، وغيرهم: عن حَمَّاد بْن زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأنصاري، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ: "صعدت إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ المِنْبَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: ‌انزِلْ عَنْ ‌مِنْبَرِ ‌أَبِي، وَاصعد إِلَى مِنْبَرِ أَبِيكَ.

قَالَ فَقَالَ لِي: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَر! فأقعدني معه [في رواية إسحاق: فَجَعَلْتُ أُقلِّب حَصًى فِي يديَّ ].

فَلَمَّا نَزَلَ ذَهَبَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ:أَيْ بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ.

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا.

قال: فَجِئْتُ يَوْمًا وَهُوَ خَالٍ بِمُعَاوِيَةَ.، وَابْنُ عُمَرَ بِالْبَابِ لَمْ يؤْذَن لَهُ، فَرَجَعْتُ.

فَلَقِيَنِي بَعْد، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ لَمْ أَرَكَ أَتَيْتَنَا؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ جِئْتُ وَأَنْتَ خَالٍ بِمُعَاوِيَةَ فَرَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَجَعَ فَرَجَعْتُ، قَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِالإِذْنِ مِنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، إِنَّمَا أَنْبَتَ فِي رُءُوسِنَا مَا تَرَى: اللهُ، ثُمَّ أَنْتُم، قال: وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ".

وهذا إسناد رواته ثقات.

وقد صحح إسناده الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3 / 285)، وابن حجر في "الإصابة" (2 / 549).

وقول الحسين رضي الله عنه: ( ‌انزِلْ عَنْ ‌مِنْبَرِ ‌أَبِي) يريد به جده؛ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان وهو صبي يدخل المسجد، ويرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر.

روى أبو داود (1109)، والترمذي (3774)، وابن ماجه (3600) عن عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنهما، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا، فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ )، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ. ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ ).

وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " انتهى.

ولا يظهر أنه يقصد بذلك أباه عليا رضي الله عنه، ولا أن منبر النبي صلى الله عليه وسلم، قد صار لعلي؛ فقد خلف النبيَّ على المنبر نفسه: أبو بكر رضي الله عنه، وعلي لم يرث من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا؛ لا مال، ولا خلافة، ولا بيت، ولا منبر، ولا غير ذلك.

وهذا الخبر مما يستظرف من أقوال وأفعال الناس في سن الصبا، ولا يدل على حكم شرعي، ولا عقدي؛ بل لا مدخل له في إثبات شيء من التواريخ والوقائع، ولا نفيها!!

فمن المتفق عليه: أن الصحابي الكبير الفقيه لا يكون مجرد كلامه حجة، خاصة إذا خالف ما أجمع عليه عامة الصحابة، فكيف بكلام الصحابي حال صباه، وقبل بلوغه وتعلمه، فالحسين في بداية خلافة عمر رضي الله عنه كان دون العاشرة، ولهذا قال الحسين رضي الله عنه في هذا الخبر: ( فَجَعَلْتُ أُقلِّب حَصًى فِي يديَّ )؟!

ولهذا؛ فقد ألطف عمر رضي الله عنه للحسين الجواب، ورفق به، وهو من هو في الحزم، ولم شعث الأمور، ولم يعط الكلمة أكثر مما تستحق. حتى لقد بيّن الحسين رضي الله عنه مكانته ومكانة أهل البيت عند عمر رضي الله عنه، وأنه كان يقدمه حتى على ابنه، فيخص الحسين رضي الله عنه بالإذن بالدخول عليه في أوقات لا يأذن فيها لابنه عبد الله رضي الله عنه.

وأما قول عمر رضي الله عنه: ( إِنَّمَا أَنْبَتَ فِي رؤوسنا مَا تَرَى؛ اللهُ ثُمَّ أَنْتُم، قال: وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ).

فهذه العبارة لا يقصد منها ظاهرها، وإنما هي بيان أن لأهل البيت حقا عليه؛ لأن من بيتهم خرج الهدى والنور بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم نعمة أنعم الله بها على العباد.

وهذا كقول الشاعر ذي الرمّة:

بنو فزارة عن آبائهم ورثوا … دعائم الشّرف العاديّة الكبرا

المانعون فما يُسْطاعُ ما منعوا … والمنبتون بجلد الهامة الشَّعَرا

قال أبو نصر الباهلي في شرحه لقوله: " والمنبتون بجلد الهامة الشعرا ":

" يريد أن لهم على كل أحد نعمة، وهذا كما يقال: " فلان أنبت الشعر على رأس فلان"، إذا كان كثير الإنعام عليه. ويروى: "بجلد الراحة الشعرا"، وهي أبلغ في المدح " انتهى. "ديوان ذي الرمة - بشرح أبي نصر الباهلي" (2 / 1166).

ومما يدل على أن المراد بذلك تقرير حرمة أهل البيت، وعظيم حقهم، لحق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيدهم، وسيد بني آدم، وقد هداهم الله به= ما وقع في بعض ألفاظ الأثر – كما عند عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (3/799) : ( أَنْتَ أَحَقُّ بِالْإِذْنِ مِنَ ابْنِ ‌عُمَرَ، إِنَّمَا أنبت فِي رؤوسنا مَا هَدَى ‌اللَّهُ ‌وَأَنْتُمْ، ‌وَوَضَعَ ‌يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ).

ووقع في الطبعة: "أثبت"، بدل: "أنبت"، وكأن الصواب ما ذكرنا، وهو الموافق للمصادر الأخرى.

وإنما فعل عمر رضي الله عنه، وقال ذلك: اتباعا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بآل بيته وتوقيرهم واكرامهم.

روى الإمام مسلم (2408) عن زَيْد بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ: ""قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ - فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي، ‌أُذَكِّرُكُمُ ‌اللهَ ‌فِي ‌أَهْلِ ‌بَيْتِي، ‌أُذَكِّرُكُمُ ‌اللهَ ‌فِي ‌أَهْلِ ‌بَيْتِي، ‌أُذَكِّرُكُمُ ‌اللهَ ‌فِي ‌أَهْلِ ‌بَيْتِي ).

والخلاصة:

هذا الخبر ورد بإسناد صحيح، وليس فيه بحمد الله ما يستشكل، فكلام الحسين رضي الله عنه، صدر منه في سن الصبا، فلا حكم له، وما صدر من عمر رضي الله عنه، فهو بيان لمكانة آل البيت وما يستحقون من الاكرام والتوقير.

والله أعلم.


 

التاريخ والسيرة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب