أريد معرفة صحة حديث: (إنما العلم بالتعلم ،والحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه)؟ هذا الحديث يروى عن أبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما، وضعفه كثير من أهل العلم، وصححه الألباني، فهل هذا حديث صحيح؟ وهل هناك من صححه غير الألباني رحمه الله تعالى؟
الحمد لله.
أولا:
هذا الخبر بهذه الصيغة ورد مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم:
من حديث أبي هريرة:
رواه ابن أبي الدنيا في "الحلم" (ص 16 - 17)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (10 / 185)، والدارقطني في "العلل" (10/ 326 - 327)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/85): عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُجَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوَقَّهُ .
لكن إسماعيل بن مجالد، وإن كان صدوقا؛ إلا أنه قد خولف في إسناده، فرواه غير واحد عن عبد الملك بن عمير، من حديث أبي الدرداء، كما سيأتي.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى عقب الحديث:
" ابن مجالد: اسمه إسماعيل، قال السّعديّ: ليس محمودا. وقال الدارقطني: وقد رُوِي من حديث أبي الدرداء موقوفا، وهو المحفوط " انتهى. "العلل المتناهية" (1/76).
من حديث أبي الدرداء:
وورد عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا عند الطبراني في "مسند الشاميين" (3 / 209)، وفي "المعجم الأوسط" (3 / 118)، وعند ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (ص81)، وغيرهم: عن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْهَمْدَانِيّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ … .
وقال الطبراني رحمه الله تعالى:
" لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلّا محمّد بن الحسن " انتهى. "المعجم الأوسط" (3 / 119).
لكن محمد بن الحسن هذا ضعيف متروك الحديث.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" هذا حديث لا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به محمّد بن الحسن.
قال أحمد بن حنبل: ما أراه يساوي شيئا. وقال يحيى وأبو داود: كان يكذب. وقال النسائي: مترك الحديث. وقال الدارقطني: لا شيء" انتهى. "العلل المتناهية" (2/711).
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو كذاب " انتهى. "مجمع الزوائد" (1/128).
وقال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:
" أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء بِسَنَد ضَعِيف". انتهى، من "تخريج أحاديث الإحياء" (ص1073).
وقد خالفه ابن وهب؛ فرواه موقوفا من كلام أبي الدرداء، كما عند ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1 / 545): عن سُحْنُون، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: " إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ...".
وكذا رواه غير واحد: عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء، موقوفا عليه من كلامه رضي الله عنه.
كعبيد الله بن عمرو عند البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص270) وفي "شعب الإيمان" (13 / 236 - 237)، وعكرمة بن إبراهيم عند ابن أبي الدنيا في "الحلم" (ص43)، وجرير عند أبي خيثمة في "العلم" (ص28).
والوقف هو الذي رجحه الدارقطني رحمه الله تعالى.
جاء في "علل الدارقطني":
" وسئل عن حديث رجاء بن حيوة، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّوقى الشَّرَّ يُوَقَّهُ.
فقال: يرويه عبد الملك بن عمير، واختلف عنه:
فرواه إسماعيل بن مجالد، عن عبد الملك، عن رجاء بن حيوة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه محمد بن الحسن الهمداني عن الثوري، عن عبد الملك، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وغيره يرويه عن عبد الملك، عن رجاء، عن أبي الدرداء، موقوفا، وهو المحفوظ " انتهى. "علل الدارقطني" (10/326).
لكنه الظاهر أنه لا يصح أيضا موقوفا لانقطاعه؛ لأن رجاء بن حيوة لم يسمع من أبي الدرداء.
قال العلائي رحمه الله تعالى:
" رجاء بن حيوة أحد المشهورين يروي عن: معاذ، وأبي الدرداء، وهو مرسل. ذكره شيخنا في التهذيب " انتهى. "جامع التحصيل" (ص175).
لكن الشطر الأول ورد من طريق صحيح عن ابن مسعود من كلامه رضي الله عنه.
رواه وكيع في "الزهد" (ص831)، وعنه رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (14 / 365)، والإمام أحمد في "الزهد" (ص134)، وغيرهما، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَمْرِو بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "إِنَّ أَحَدًا لَا يُولَدُ عَالِمًا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ" .
وينظر للفائدة: "إسعاف اللبيث" للشيخ أبي إسحاق الحويني، برقم: (321).
ثانيا:
وأما من قوى الحديث، سوى الشيخ الألباني، رحمه الله، فمنهم:
الحافظ ابن حجر، رحمه الله: " قوله: ( وإنما العلم بالتعلم ): هو حديث مرفوع أيضا أورده بن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين إسناده حسن إلا أن فيه مبهما اعتضد بمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث بن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعا وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره". انتهى، من فتح الباري لابن حجر (1/ 161 ط السلفية).
وينظر أيضا: "المقاصد الحسنة" للسخاوي، رقم: (210).
الخلاصة:
هذا الخبر ليس له إسناد صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صحّ الشطر الأول منه من قول ابن مسعود رضي الله عنه.
والله أعلم.