هل صحيح أن عندما أهبط آدم إلى الأرض زوده الله تعالى من ثمار الجنة؟
الحمد لله.
أولا:
هذا الخبر رواه ابن أبي الدنيا في “صفة الجنة” (ص108): عن إِسْحَاق بْن يُوسُفَ الْأَزْرَق.
والبزار في “المسند” (8 / 45)، وابن فيل “جزء ابن فيل” (ص106)، والطبراني، وساق روايته بإسنادها الكامل ابن كثير في “البداية والنهاية” (20 / 315 — 316): عن رِبْعِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ ابْن عُلَيَّةَ.
وإِسْحَاق بْن يُوسُفَ الْأَزْرَق، ورِبْعِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ ابْن عُلَيَّةَ: عن عَوْف الأَعْرَابِيّ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ عز وجل آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ زَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِهَا، فَثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ تَتَغَيَّرُ وَثِمَارُ الْجَنَّةِ لَا تَتَغَيَّرُ.
وخالفهما جمع من الرواة عن عوف، فرووه موقوفا من كلام أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
قال البزار رحمه الله تعالى: ” وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ قَسَامَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلَّا رِبْعِيُّ ” انتهى.
فرواه عبد الرزاق في ” التفسير” (1 / 267)، وعنه ابن أبي حاتم في “التفسير” (1 / 92): عن مَعْمَر.
والبزار في “المسند” (8 / 45): أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ.
والطبري في “التفسير” (1 / 418)، قال: حدَّثنا به محمد بنُ بشَّارٍ، قال: حدَّثنا ابنُ أبي عديٍّ وعبدُ الوهَّابِ ومحمدُ بن جعفرٍ.
والحاكم في “المستدرك” (2 / 543)، ومن طريقه البيهقي في “البعث والنشور” (ص 507 — 508): عن هَوْذَة بن خَلِيفَةَ.
وأبو بكر الدينوري في “المجالسة وجواهر العلم” (6 / 392)، قال: عن مُحَمَّد بْن ثَوْرٍ.
ومَعْمَر، وابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وعبدُ الوهَّابِ، ومحمدُ بن جعفرٍ، ومُحَمَّد بْن ثَوْرٍ، وهَوْذَة بن خَلِيفَةَ، كلهم يروونه: عن عَوْف، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ أَهْبَطَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ عَلَّمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، وَزَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ مِثْلَ ثَمَرَتِكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ تَتَغَيَّرُ وَتِلْكَ لَا تَتَغَيَّرُ.
وهؤلاء الرواة عن عوف ثقات، وهوذة بن خليفة صدوق، قال فيه الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
” ما أضبط هذا الأصم – يعنى هوذة – عن عوف، أرجو أن يكون صدوقا ” انتهى. “الجرح والتعديل” (9 / 119).
وعوف الأعرابي وهو ابن أبي جميلة، قد وُثِّق.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” عوف الاعرابي، عن: أبي العالية، والنهدي، والعطاردي. وعنه: القطان، وغندر، وهوذة، وعثمان بن الهيثم. قال النسائي: ثقة ثبت ” انتهى. “الكاشف” (2 / 101).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” عَوْف بن أبي جَمِيلة، الأعرابي العَبدي، البصري: ثقة رُمِيَ بالقَدَر وبالتشيع ” انتهى. “تقريب التهذيب” (ص 433).
وكذا قسامة بن زهير: ” ثقةٌ ” كما في “تقريب التهذيب” (455).
فالراجح أن الخبر موقوف من كلام أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
قال الحاكم رحمه الله تعالى عقب روايته: “صحيح الإسناد، ولم يخرجاه” ووافقه الذهبي.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” ضعيف مرفوعا، صحيح موقوفا ” انتهى. “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (13 / 421).
ثانيا:
قد سبق في الموقع بيان أن الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام هي جنة الخلد، وهذا في جواب السؤال رقم: (218371).
وكون آدم عليه السلام قد زود بثمار الجنة، وأن ثمار الدنيا من تلك الثمار، كما في بعض روايات هذا الخبر: ( فَثِمَارُكُم هَذِه مِن ثِمَارِ الجَنَّة )، لا يعني هذا أن هذه الثمار باقية على هيئتها وطعمها الذي كان في الجنة، فقد نص الخبر أن بينهما فرق، ففيه: (غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ تَتَغَيَّرُ وَتِلْكَ لَا تَتَغَيَّرُ).
وقد روى ابن أبي حاتم في “التفسير” (1/66)، والطبري في “التفسير” (1/416) من طرق: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ” لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي الدُّنْيَا إِلا الأَسْمَاءَ “.
وروى الطبري في “التفسير الطبري (1/416)، قال: وحدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال. أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ في قولِه: { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا }. قال: ( يعرِفون أسماءَه كما كانوا في الدنيا، التُّفَّاحُ بالتُّفَّاحِ، والرُّمَّانُ بالرُّمَّانِ، قالوا في الجَنَّةِ: { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } في الدنيا { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } يعرِفونه، وليس هو مثلَه في الطعمِ ).
الخلاصة:
هذا الخبر الصواب فيه أنه موقوف من كلام أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ومثله لا يقال بالرأي؛ ولا يبعد أن يكون ذلك من جملة أخبار أهل الكتاب، فهم أهل العناية بمثل ذلك.
وكون ثمار الدنيا من ثمار الجنة: لا يعنى أنها الآن تشبهها في الشكل والطعم، وإنما يراد به، والله أعلم: تأكيد حقيقتها، وأصل معناها، وإن كانت صفاتها متفاوتة؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنه: ” لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي الدُّنْيَا إِلا الأَسْمَاءَ”.
والله أعلم.