هل يصح حديث: (مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ)؟

04-11-2024

السؤال 525138

أريد أن أعرف هل الحديث التالي صحيح أم لا؟
‎عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم :( من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه)، رواه ابن السّنّي في “عمل اليوم والليلة” رقم (٢١٥)، وحسنه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (٢/٤٥٩).

ملخص الجواب:

هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له إسناد صحيح.

الجواب

الحمد لله.

هذا الحديث رواه ابن السني في “عمل اليوم والليلة” (214)، قال: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ.

وهذا الخبر قد حكم ببطلانه أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

” وسألت أبي عن حديث رواه بَقِيَّة؛ قال: حدَّثني ابْنُ أَبِي رَوَّاد، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَبْدَؤُوا بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَمَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ )؟

قال أبي: هذا حديث باطل، ليس من حديث ابن أبي روّاد ” انتهى. “العلل” (6 / 136).

ويحتمل أن أبا حاتم رحمه الله تعالى حكم بأنه ليس من حديث ابن أبي رواد، لأنّ بقية يغلط على الثقات، خاصة من غير أهل الشام، وابْنُ أَبِي رَوَّاد مكي.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” بقية بن الوليد، أحد الائمة الحفاظ، يروي عمن دبَّ ودرج، وله غرائب تستنكر أيضا عن الثقات، لكثرة حديثه، قال ابن خزيمة: لا أحتج ببقية. وقال أحمد بن حنبل: له مناكير عن الثقات. وقال ابن عدي: لبقية أحاديث صالحة ويخالف الثقات، وإذا روى عن غير الشاميين خلَّط، كما يفعل اسماعيل بن عياش ” انتهى. “المغني في الضعفاء” (1 / 109).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” الضرب الثاني: من حدث عن أهل مِصْرٍ، أو إقليمٍ، فحفظ حديثهم، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ …

ومنهم بقية بن الوليد الحمصي:

وهو مع كثرة روايته عن المجهولين، الغرائبَ والمناكيرَ، فإنه إذا حدث عن الثقات المعروفين، ولم يدلس؛ فإنما يكون حديثه جيداً عن أهل الشام، كبحير بن سعيد، ومحمد بن زياد، وغيرهما.

وأما رواياته عن أهل الحجاز، وأهل العراق: فكثيرةُ المخالَفة لروايات الثقات. كذا ذكره ابن عدي وغيره.

وذكر سعيد البردعي، قال: قال لي أبو زرعة في حديث أخطأ فيه بقية عن المسعودي: إذا نقل بقية حديث الكوفة إلى حمص، يكون هكذا ” انتهى. “شرح علل الترمذي” (2 / 773).

ويحتمل أن حكم ابن أبي حاتم ببطلان الحديث، من أجل أن بقية معروف بالتدليس، فدلّس هذا الخبر عن بعض الضعفاء، ولم يصرح بالتحديث، فغلط عليه بعض أصحابه، فذكر صيغة التحديث.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” وقد ذكر أبو حاتم نحو هذا في أصحاب بقية بن الوليد، أنهم يروون عنه، عن شيوخه، ويصرحون بتحديثه عنهم، من غير سماع له منهم…

وكذا ذكر الإسماعيلي: أن أهل الشام ومصر يتسامحون في قولهم: ( ثنا ) من غير صحة السماع ” انتهى. “فتح الباري” (8 / 255).

وقال رحمه الله تعالى:

” وكذلك ذكر أبو حاتم الرازي أن بقية بن الوليد كان يروي عن شيوخٍ ما لم يسمعه، فيظن أصحابه أنه سمعه، فيروون عنه تلك الأحاديث، ويصرحون بسماعه لها، من شيوخه، ولا يضبطون ذلك.

وحينئذ؛ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد ” انتهى. “شرح علل الترمذي” (2 / 594).

ويشير إلى هذا كلام أبي زرعة عن الإسناد الآخر لرواية بقيّة بن الوليد، الذي أخرجه أبو نعيم في “حلية الأولياء” (8 / 199)، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْبَقَاءِ [أبو التقي كما سيأتي في “العلل”] هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَدَأَ الْكَلَامَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

” وسُئِل أبو زرعة عن حديث رواه أبو تَقِيٍّ؛ قال: حدَّثني بَقِيَّة؛ قال: حدَّثني عبد العزيز بْنِ أَبِي رَوَّاد، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( لا تَبْدَؤُوا بِالكَلامِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَمَنْ بَدَأَ بِالكَلامِ قَبْلَ السَّلامِ فَلَا تُجِيبُوهُ )؟

قال أبو زرعة: هذا حديث ليس له أصل؛ لم يسمع بقيّة هذا الحديث من عبد العزيز؛ إنّما هو عن أهل حمص، وأهل حمص لا يميّزون هذا ” انتهى. “العلل” (6 / 270).

وقد حكم أبو نعيم على هذا الخبر بالغرابة، فقال رحمه الله تعالى، عقب إخراجه للحديث:

” غريب من حديث عبد العزيز، لم نكتبه إلّا من حديث بقيّة ” انتهى.

وله طريق آخر من حديث حفص بن عُمَر الأبلّي، عن عَبد الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّاد:

رواه ابن عدي في “الكامل في ضعفاء الرجال” (8 / 403)، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمد بْنِ عَبد الخالق، حَدَّثَنا السري بن عاصم، حَدَّثَنا حفص بن عُمَر الأبلّي، حَدَّثَنا عَبد الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّاد، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابْنِ عُمَر، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( السَّلامُ قَبْلَ السُّؤَالِ فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلامِ فَلا تُجِيبُوهُ ).

وهذا إسناد ضعيف جدا؛ لأن فيه:

حفص بن عمر.

قال عنه ابن عدي رحمه الله تعالى:

” وأحاديثه كلها إما منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضعف أقرب” انتهى. “الكامل” (4 / 81).

والسري بن عاصم متروك الحديث.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

” السّري بن عاصم بن سهل أبو سهل البغداديّ…

قال الدّارقطنيّ: ضعيف. وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث. وقال ابن حبان: كان يسرق الحديث ويرفع الموقوفات؛ لا يحل الاحتجاج به ” انتهى. “الضعفاء والمتروكون” (1 / 310).

وله طريق آخر من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ:

رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (1 / 136)، والخرائطي في “مكارم الأخلاق” (880): عن أَبِي الطَّيِّبِ هَارُون السَّرَخْسِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَأَ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَلَا تُجِبْهُ حَتَّى يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

” رواه الطبراني في “الأوسط”، وفيه هارون بن محمد أبو الطيب: وهو كذاب ” انتهى. “مجمع الزوائد” (8 / 32).

وله شاهد لبعض معناه، من حديث جابر رضي الله عنه:

رواه الترمذي (2699)، وغيره: عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ.

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَدْعُوا أَحَدًا إِلَى الطَّعَامِ حَتَّى يُسَلِّمَ.

ثم قال الترمذي: ” هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَاذَانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ” انتهى.

ورواه أبو يعلى في “المسند” (3 / 304)، وابن عدي في “الكامل” (1 / 516 — 517)، وغيرهما: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيد الْخُوزِيِّ، عَن أَبِي الزُّبَيْرِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبِي مُغِيثٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَأْذَنُوا لِمَنْ لا يَبْدَأُ بِالسَّلامِ.

وفي إسناده إبراهيم بن يزيد: وهو متروك الحديث.

قال ابن حبان رحمه الله تعالى:

” إبراهيم بن يزيد الخوزي أبو إسماعيل.

من أهل مكة، كان مولى لعمر بن عبد العزيز، وكان يقول ينزل شعب الخوز بمكة فنسب إليهم، ولم يكن منهم، مات سنة إحدى وخمسين ومئة، روى عن عمرو بن دينار وأبي الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر، مناكير كثيرة، وأوهاما غليظة، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها، وكان أحمد بن حنبل رحمه الله سيّئ الرأي فيه.

روى عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا تَأْذَنُوا لِمَنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالسَّلَامِ )، رواه عنه المعتمر بن سليمان ” انتهى. “المجروحين” (1 / 95).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

” إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي عن طاووس.

قال أحمد، والنسائي: متروك ” انتهى. “المغني في الضعفاء” (1 / 30).

وورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (8 / 269)، قال: حَدَّثَنَا مُنْتَصِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ سَجَّادَةُ، نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَشُكُّ فِي رَفْعِهِ قَالَ: لَا يُؤْذَنُ لِلْمُسْتَأْذِنِ حَتَّى يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

” رواه الطبراني في “الأوسط”، ورجاله ثقات، إلا أن عبد الملك لم أجد له سماعا من أبي هريرة. قال ابن حبان: روى عن يزيد بن الأصم ” انتهى. “مجمع الزوائد” (8 / 32).

وشيخ الطبراني مُنْتَصِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فيه جهالة، فلم يُذكر بجرحٍ ولا تعديل، وقد ترجم له الخطيب في “تاريخ بغداد” (15 / 362) ساكتا عن حاله.

والخلاصة:

هذا النهي لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له إسناد صحيح.

لكن ينبغي التنبه إلى أنّ السلام من أهم آداب هذا الدين، ومن حقوق المسلم على أخيه، حتى رأى عدد من أهل العلم وجوبه.

روى الإمام مسلم (2162) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ. قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ.

وجاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (25 / 161):

” ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن السلام سنة مستحبة وليس بواجب، وهو سنة على الكفاية إن كان المسلمون جماعة بحيث يكفي سلام واحد منهم، ولو سلموا كلهم كان أفضل.

وذهب الحنفية – وهو رواية عن أحمد وقول مقابل للمشهور عند المالكية – إلى أن الابتداء بالسلام واجب. لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ. قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ … ) ” انتهى.

والله أعلم.

الآداب
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب